أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة، فانطلق بنا (1) نخفف من عياله، فدخلوا عليه وطلبوه بذلك، فقال: إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم، فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب، ثم بقي وحده (2) إلى أن اخذ يوم بدر، وأخذ حمزة جعفرا فلم يزل معه في الجاهلية والاسلام إلى أن قتل حمزة وأخذ العباس طالبا وكان معه إلى يوم بدر ثم فقد فلم يعرف له خبر، وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وهو ابن ست سنين كسنه يوم أخذه أبو طالب، فربته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الاسلام، وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد، فكان مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن مضى، وبقي علي بعده.
وفي رواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اخترت من اختار الله لي عليكم عليا.
وذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق أن النبي (صلى الله عليه وآله) حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب: إني أحب أن تدفع إلي بعض ولدك يعينني على أمري ويكفيني، وأشكر لك بلاءك عندي، فقال أبو طالب: خذ أيهم شئت، فأخذ عليا (عليه السلام).
فمن استقى عروقه من منبع النبوة ورضعت شجرته ثدي الرسالة وتهدلت أغصانه (3) عن نبعة الإمامة ونشأ في دار الوحي وربي في بيت التنزيل ولم يفارق النبي (صلى الله عليه وآله) في حال حياته إلى حال وفاته لا يقاس بسائر الناس، وإذا كان (عليه السلام) في أكرم أرومة (4) وأطيب مغرس، والعرق الصالح ينمي والشهاب الثاقب يسري وتعليم الرسول ناجع (5)، ولم يكن الرسول (صلى الله عليه وآله) ليتولى تأديبه ويتضمن حضانته وحسن تربيته إلا على ضربين: إما على التفرس فيه أو بالوحي من الله تعالى، فإن كان بالتفرس فلا تخطأ فراسته ولا يخيب ظنه، وإن كان