سبقتكم إلى الاسلام طرا * على ما كان من علمي وفهمي (1) وأوجب لي الولاء معا عليكم * خليلي يوم دوح غدير خم (2) وفي هذا الشعر كفاية في البيان عن تقدم إيمانه (عليه السلام) وأنه وقع مع المعرفة بالحجة والبيان، وفيه أيضا أنه كان الامام بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) بدليل المقام الظاهر في يوم الغدير الموجب للاستخلاف (3).
ومما يؤيد ما ذكرناه ما رواه عبد الله بن الأسود البكري عن محمد بن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبيه عن جده أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى يوم الاثنين وصلت خديجة معه، ودعا عليا (عليه السلام) إلى الصلاة معه يوم الثلاثاء، فقال له: أنظرني حتى ألقى أبا طالب، فقال:
له النبي (صلى الله عليه وآله): إنها أمانة، فقال علي (عليه السلام): فإن كانت أمانة فقد أسلمت لك، فصلى معه وهو ثاني يوم البعث.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله، وقال في حديثه: إن هذا دين يخالف دين أبي حتى أنظر فيه وأشاور أبا طالب، فقال له النبي: انظر واكتم، قال: فمكث هنيئة ثم قال: بل أجبتك واصدق بك، فصدقه وصلى معه. وروى هذا المعنى بعينه وهذا المقال من أمير المؤمنين (عليه السلام) على اختلاف في اللفظ واتفاق في المعنى كثيرة (4) من حملة الآثار، وهو يدل على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان مكلفا عارفا في تلك الحال بتوقفه و استدلاله وتمييزه بين مشورة أبيه وبين الاقدام على القبول والطاعة للرسول من غير فكرة و ولا تأمل، ثم خوفه إن ألقى ذلك إلى أبيه أن يمنعه منه مع أنه حق فيكون قد صد عن الحق، فعدل عن ذلك إلى القبول وعدل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) مع أمانته وما كان يعرفه من صدقه في مقاله وما سمعه من القرآن الذي نزل عليه وأراه الله من برهانه أنه رسول محق