هو (عليه السلام) به فيكون مع كونه خرقا للعادة معجزا، ولو استشهد به (عليه السلام) أو شهد على حد ما شهد الطفل ليوسف وكلام عيسى له ولامه وكلام يحيى لأبيه بما يكون في المستقبل والحال لكان لخصومنا وجه للمطالبة بذكر ذلك في المعجزات، لكن لا وجه له على ما بيناه.
على أن كمال عقل أمير المؤمنين لم يكن ظاهرا للحواس ولا معلوما بالاضطرار فيجري مجرى كلام المسيح وحكمة يحيى وكلام شاهد يوسف فيمكن الاعتماد عليه في المعجزات، وإنما كان طريق العلم به مقام الرسول (صلى الله عليه وآله) (1) والاستدلال الشاق بالنظر الثاقب والسبر (2) لحاله (عليه السلام) وعلى مرور الأوقات بسماع كلامه والتأمل لاستدلالاته والنظر فيما يؤدي إلى معرفته وفطنته، ثم لا يحصل ذلك إلا لخاص من الناس (3) ومن عرف وجوه الاستنباطات، وما جرى هذا المجرى فارق حكمه حكم ما سلف للأنبياء من المعجزات وما كان لنبينا (صلى الله عليه وآله) من الاعلام، إذ تلك بظواهرها تقدح (4) في القلوب أسباب اليقين وتشترك الجميع في علم الحال الظاهرة منها المنبئة عن خرق العادات، دون أن تكون مقصورة على ما ذكرناه من البحث الطويل والاستقراء للأحوال على مرور الأوقات أو الرجوع فيه إلى نفس قول الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي يحتاج في العلم به إلى النظر في معجز غيره والاعتماد على ما سواه من البينات، فلا ينكر أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله) إنما عدل عن ذكر ذلك واحتجاجه به في جملة آياته لما وصفناه.
وشئ آخر وهو أنه لا ينكر (5) أن يكون الله سبحانه علم من مصلحة خلقه الكف من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الاحتجاج بذلك، والدعاء إلى النظر فيه، وأن اعتماده على ما ظاهره خرق العادة أولى في مصلحة الدين، وشئ آخر وهو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن لم يحتج به على التفصيل والتعيين فقد فعل ما يقوم مقام الاحتجاج به على البصيرة واليقين، فابتدأ