وما تقدمنا خمسة (1) إلا كان سادسهم ولا أربعة إلا كان خامسهم، اشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم! وانتحل دم عثمان، ولعمر والله ما ألب (2) على عثمان ولا جمع الناس على قتله إلا هو وأشباهه من أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في القرآن، فلما لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغيه بحمير لا عقول لهم ولا بصائر، فموه لهم (3) أمرا فاتبعوه، وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه، فناجزناهم وحاكمناهم إلى الله عز وجل بعد الاعذار والانذار، فلما لم يزده ذلك إلا تماديا وبغيا لقيناه بعادة الله التي عودنا من النصر على أعدائه وعدونا، وراية رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأيدينا، لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه، وهو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل المواطن، فلم يجد من الموت منجى إلا الهرب، فركب فرسه وقلب رايته! لا يدري كيف يحتال، فاستعان برأي ابن العاص، فأشار إليه بإظهار المصاحف ورفعها على الاعلام والدعاء إلى ما فيها، وقال: إن ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وبقيا (4) وقد دعوك إلى كتاب الله أولا وهم مجيبوك إليه آخرا فأطاعه فيما أشار به عليه، إذ رأى أنه لا منجى له من القتل أو الهرب غيره، فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائرهم، فظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوته وأقبلوا بأجمعهم في إجابته، فأعلمتهم أن ذلك منه مكر ومن ابن العاص معه، وإنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء، فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمري، وأبوا إلا إجابته كرهت أم هويت شئت أو أبيت! حتى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان! وادفعوه إلى ابن هند برمته (5)! فجهدت - علم الله جهدي -
(١٨١)