ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة (1) وحمل عمود الخلافة وعقود البنود (2) وخفقان الهواء في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون!
انتهى (3).
أقول: لا يخفى على من شم رائحة الانصاف أن تلك الوجوه التي نقلناها عن القوم مع تتميمات ألحقناها بها ونكات تفردنا بإيرادها لو كان كل منها مما يمكن لمباهت ومعاند أن يناقش فيها فبعد اجتماعها وتعاضد بعضها ببعض لا يبقى لاحد مجال الريب فيها، والعجب من هؤلاء المخالفين مع ادعائهم غاية الفضل والكمال كيف طاوعتهم أنفسهم أن يبدوا في مقابلة تلك الدلائل والبراهين احتمالات يحكم كل عقل باستحالتها؟!
ولو كان مجرد التمسك بذيل الجهالات والالتجاء بمحض الاحتمالات مما يكفي لدفع الاستدلالات لم يبق شئ من الدلائل إلا ولمباهت فيه مجال، ولا شئ من البراهين إلا ولجاهل فيه مقال، فيكف يثبتون الصانع ويقيمون البراهين فيه على الملحدين؟ وكيف يتكلمون في إثبات النبوات وغيره من مقاصد الدين؟ أعاذنا الله وإياهم من العصبية والعناد، ووفقنا جميعا لما يهدي إلى الرشاد.
تذييل: قال أبو الصلاح الحلبي في كتاب تقريب المعارف وقد لخصه من الشافي:
فإن قيل: فطرقكم من هذا الخبر يوجب كون علي عليه السلام إماما في الحال والاجماع بخلاف ذلك (4)، قلنا: هذا يسقط من وجوه:
أحدها أنه جرى في استخلافه عليا - صلوات الله عليهما - على عادة المستخلفين الذين يطلقون إيجاب الاستخلاف في الحال ومرادهم بعد الوفاة، ولا يفتقرون إلى بيان لعلم السامعين بهذا العرف المستقر.