وقد كان وجه المصلحة فيما رأوه باجتهادهم ظاهرا، فلو لا أن مخالفة النبي بالاجتهاد غير سائغ لما ساغ لأبي بكر أن يجيبه بالرد من عرض الخلافة عليه أولا، وأفضى بها إليه أخيرا وأن يزري بقدره ويستخف به ويستهزء ذلك الاستهزاء الذي لا يفعله الجلف الجافي بسوقي ساقط المحل.
وكيف ساغ له أن يأخذ بلحيته الكثيفة ويخاطبه بالثكل والويل وهو غير مستحق لذلك، سوى أنه تحمل رسالة كلها أجر وثواب، وجلها صدق وصواب بزعمهم، وقد صدرت عن اجتهاد جماعة من المسلمين هم ذروة الأمر وسنامه وأساس الإسلام وقوامه؟
وهل يغضب ذو الدين على الحاكي طاعة جماعة من المسلمين وعبادتهم، ويفعل فعل من لا صبر له، واستشاط غيظا وتلهب غضبا، فلولا أن الأمر بمخالفة النبي صلى الله عليه وآله - ولو كان عن اجتهاد - كان فظيعا شنيعا لما ظهر منه ذلك الصنيع مع اتفاق كان بينهما في النفاز وإتحادهما في الإلحام واجتماعهما على ترويح الباطن؟
وهذا آخر ما أردنا إيراده من الأدلة في هذا الباب وفيها كفاية لأولي الألباب.
ولنشر إلى بعض شبه المخالفين:
الأولى: قوله سبحانه: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) [3 / التوبة: 9] قالوا: عاتبه على الإذن [لمن أراد أن يتخلف عنه] والعتاب لا يكون إلا عن خطأ والخطأ لا يكون في الوحي بل في الاجتهاد؟ وقال: (عفا الله عنك) والعفو لا يكون إلا عن ذنب.
والجواب عنه: أما أولا فبأنا قد روينا عن أهل بيت العصمة عليهم السلام - كما مر مرارا - أن القرآن نزل ب [طريقة قولهم:] " إياك أعني واسمعي يا