ثم ساق الحديث إلى آخره ثم قال:
فإن قيل: ففي هذا الخبر دليل على التوبة وهي قولها عقيب بكائها: لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن.
قلنا قد كشف الامر ما عقبت هذا الكلام به من اعترافها ببغض أمير المؤمنين (عليه السلام) وبغض أصحابه المؤمنين وقد أوجب الله عليها محبتهم وتعظيمهم وهذا دليل على الاصرار وأن بكائها إنما كان للخيبة لا للتوبة وما كان في قولها: " لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن " من دليل التوبة وقد يقول المصر مثل ذلك إذا كان عارفا بخطائه فيما ارتكبه وليس كل من ارتكب ذنبا يعتقد أنه حسن حتى لا يكون خائفا من العقاب عليه وأكثر مرتكبي الذنوب يخافون العقاب مع الاصرار ويظهر منهم مثل ما حكي عن عائشة ولا يكون توبة.
وروى الواقدي بإسناده أن عمارا رحمة الله عليه استأذن على عائشة بالبصرة بعد الفتح فأذنت له فدخل فقال: يا أمة كيف رأيت صنع الله حين جمع بين الحق والباطل ألم يظهر الله الحق على الباطل ويزهق الباطل؟ فقالت:
إن الحروب دول وسجال وقد أديل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكن انظر يا عمار كيف تكون في عاقبة أمرك.
وروى الطبري في تاريخه (1) أنه لما انتهى إلى عائشة قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) قالت:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر