وقد ذكرنا أن هذا الخبر لو كان صحيحا لاحتج به أبو بكر لنفسه واحتج له به في [يوم] السقيفة وغيرها وكذلك عمر وعثمان.
ومما يبين أيضا بطلانه إمساك طلحة والزبير عن الاحتجاج به لما دعوا الناس إلى نصرتهما واستنفارهم إلى الحرب معهما وأي فضيلة أعظم وأفخم من الشهادة لهما بالجنة وكيف يعدلان مع العلم والحاجة عن ذكره إلا لأنه باطل.
ويمكن أن يسلم مسلم هذا الخبر ويحمله على الاستحقاق في الحال لا العاقبة فكأنه أراد أنهم يدخلون الجنة إن وافوا بما هم عليه الآن ويكون الفائدة في الخبر إعلامنا بأنهم يستحقون الثواب في الحال.
وأما الكلام في توبة عائشة فما بيناه من الطرق الثلاث في توبة طلحة والزبير هي معتمدة فيما يدعونه من توبة عائشة.
أولها أن جميع ما يروونه من الاخبار لا يمكن ادعاء العلم فيها ولا القطع على صحتها وأحسن الأحوال فيها أن يوجب الظن وقد بينا أن المعلوم لا يرجع عنه بالمظنون.
والثاني أنها معارضة بأخبار تزيد على ما رووه في القوة أو تساويه.
فمن ذلك ما رواه الواقدي بإسناده عن شعبة عن ابن عباس قال:
أرسلني علي (عليه السلام) إلى عائشة بعد الهزيمة وهي في دار الخزاعيين فأمرها أن ترجع إلى بلادها.
وساق الحديث نحوا مما مر برواية الكشي (1) إلى قوله: فبكت مرة أخرى أشد من بكائها الأول ثم قالت: والله لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن.