قال: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن صفية قبل نكثه بيعتي، فإنه بايعني مرتين، أما بيعته الأولى التي وفي بها فإنه لما بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار فبايعوني وفيهم الزبير، فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رؤوسهم عليهم السلاح، فما وافى منهم (1) أحد ولا صبحني منهم غير أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير، وأما بيعته الأخرى: فإنه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد قتل عثمان فبايعاني طائعين غير مكرهين، ثم رجعا عن دينهما مرتدين ناكثين مكابرين معاندين حاسدين، فقتلهما الله إلى النار، وأما الثلاثة: سلمان وأبو ذر والمقداد فثبتوا على دين محمد صلى الله عليه وآله وملة إبراهيم (ع) حتى لقوا الله، يرحمهم الله.
يا بن قيس! فوالله لو أن أولئك الأربعين الذين بايعوني وفوا لي وأصبحوا على بابي محلقين قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعة (2) لناهضته وحاكمته إلى لله عز وجل، ولو وجدت قبل بيعة عثمان (3) أعوانا لناهضتهم وحاكمتهم إلى الله، فإن ابن عوف جعلها لعثمان، واشترط عليه فيما بينه وبينه أن يردها عليه عند موته، فأما بعد بيعتي إياهم فليس إلى مجاهدتهم سبيل.
فقال الأشعث: والله لئن كان الامر كما تقول لقد هلكت الأمة غيرك وغير شيعتك! فقال: إن الحق والله معي يا بن قيس كما أقول، وما هلك من الأمة إلا الناصبين والمكاثرين (4) والجاحدين والمعاندين، فأما من تمسك بالتوحيد والاقرار بمحمد والاسلام ولم يخرج من الملة، ولم يظاهر علينا الظلمة، ولم ينصب لنا العداوة، وشك في الخلافة، ولم يعرف أهلها وولاتها، ولم يعرف لنا ولاية، ولم ينصب لنا عداوة، فإن ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله ويتخوف عليه ذنوبه.