وأما وجه دلالة الآية على المراد، فهو أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة والعرف إذا اطلق ولم يقيد لا يفهم منه إلا الأموال وما في معناها ولا يستعمل في غيرها إلا مجازا، وكذا لا يفهم من قول القائل لا وارث لفلان إلا من ينتقل إليه أمواله وما يضاهيها دون العلوم وما يشاكلها، ولا يجوز العدول عن ظاهر اللفظ وحقيقته إلا لدليل، فلو لم يكن في الكلام قرينة توجب حمل اللفظ على أحد المعنيين لكفى في مطلوبنا، كيف والقرائن الدالة على المقصود موجودة في اللفظ؟!.
أما أولا: فلان زكريا عليه السلام اشترط في وارثه أن يكون رضيا، وإذا حمل الميراث على العلم والنبوة لم يكن لهذا الاشتراط معنى، بل كان لغوا عبثا، لأنه إذا سأل من يقوم مقامه في العلم والنبوة فقد دخل في سؤاله الرضا وما هو أعظم منه فلا معنى لاشتراطه، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحد: اللهم ابعث إلينا نبيا واجعله مكلفا عاقلا؟!.
وأما ثانيا: فلان الخوف من بني العم ومن يحذو حذوهم يناسب المال دون النبوة والعلم، وكيف يخاف مثل زكريا عليه السلام من أن يبعث الله تعالى إلى خلقه نبيا يقيمه مقام زكريا ولم يكن أهلا النبوة والعلم، سواء كان من موالي زكريا أو من غيرهم؟، على أن زكريا عليه السلام كان إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس فلا يجوز أن يخاف من الامر الذي هو الغرض في (1) بعثته.
فإن قيل: كيف يجوز على مثل زكريا عليه السلام الخوف من أن يرث الموالي ماله؟ وهل هذا إلا الضن والبخل؟.
قلنا: لما علم زكريا عليه السلام من حال الموالي أنهم من أهل الفساد، خاف أن ينفقوا أمواله في المعاصي ويصرفوه في غير الوجوه المحبوبة، مع أن في وراثتهم ماله كان يقوي فسادهم وفجورهم، فكان خوفه خوفا من قوة الفساق