من أن نقطع على رضا أحد بشي من الأشياء، لأنا إنما نعلم الرضا في كل موضع نثبته فيه بمثل هذه الطريقة، وبما هو أضعف منها.
قيل له: إن كان لا طريق إلى معرفة الاجماع ورضي الناس بالامر، إلا ما ادعيته، فلا طريق إذا إليه، لكن الطريق إلى ذلك واضح، وهو أن يعلم أن النكير لم يرتفع إلا للرضا، وأنه لا وجه هناك سواه، وهذا قد يعلم ضرورة من شاهد الحال، وقد يعلم من غاب عنها بالنقل وغيره، حتى لا يرتاب بأن الرضا هو الداعي إلى ترك النكير، ألا ترى أنا نعلم كلنا علما لا يعترضه شك أن بيعة عمر وأبي عبيدة وسالم لأبي بكر كانت عن رضى وموافقة، ومبايعة في الظاهر و الباطن، وأنه لا وجه لما أظهروه من البيعة والموافقة إلا الرضا، ولا نعلم ذلك في أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن جرى مجراه، فلو كان الطريق واحدا لعلمنا الامرين على سواء.
وهذا أحد ما يمكن الاعتماد عليه في هذا الموضع، فيقال: لو كان أمير المؤمنين (عليه السلام) راضيا وظاهره كباطنه في الكف عن النكير، لوجب أن نعلم ذلك من حاله كما علمناه من حال عمر وأبي عبيدة، فلما لم يكن ذلك معلوما دل على اختلاف الحال فيه.
وكيف يشكل على منصف أن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام لم تكن عن رضا، و الاخبار متظاهرة من كل روى السير بما يقتضي ذلك، حتى أن من تأمل ما روى في هذا الباب لم يبق عليه شك في أنه (عليه السلام) الجئ إلى البيعة، وصار إليها بعد المدافعة والمحاجزة لأمور اقتضت ذلك، ليس من جملتها الرضا.
فقد روى أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري وحاله في الثقة عند العامة والبعد عن مقاربة الشيعة والضبط لما يرويه معروفة، قال: حدثني بكر بن الهيثم عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي (عليه السلام) حين قعد عن بيعته وقال: ائتني به بأعنف العنف، فلما أتاه جرى بينهما كلام، فقال له: احلب حلبا لك شطره، والله