بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ٦
على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول: لا أكره أحدا منكم على شئ، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذاك، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي، وحتى يقضي الله عز وجل لي ولمن صحبني بما شاء الله، فلم يقبله أحد منهم، ولم يأت أحدا من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه؟ فلما توفي أبو طالب اشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وآله أشد ما كان، فعمد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه فوجد ثلاثة نفر منهم هم ساداة ثقيف يومئذ وهم إخوة: عبد ياليل بن عمرو، وحبيب ابن عمرو، ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم البلاء وما انتهك منه قومه، فقال أحدهم: أنا أسرق أستار الكعبة إن كان الله بعثك بشئ قط، وقال الآخر: أعجز على الله أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدا، والله لئن كنت رسول الله لانت أعظم شرفا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على الله لانت شر من أن أكلمك، وتهزؤوا به، وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به، فقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وآله بين صفيهم كان لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، وقد كانوا أعدوها حتى أدموا رجليه، فخلص منهم ورجلاه تسيلان الدماء، فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل حبلة، (1) وهو مكروب موجع، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله، ولما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداس وهو نصراني من أهل نينوى معه عنب، فلما جاءه عداس قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: من أي أرض أنت؟ قال: أنا من أهل نينوى، فقال صلى الله عليه وآله:
من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عداس: وما يدريك من يونس بن متى؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله - وكان لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه -: أنا رسول الله، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى، فلما أخبره بما أوحى الله إليه

(1) حبله: شجر العنب أو قضبانه. وفى المصدر، في ظل شجرة منهم.
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست