ونسبه إلى نفسه وليس بفعل له، من حيث كانت أفعاله تعالى كالسبب لهذا الفعل، والمؤدي إليه من إقداره إياهم، ومعونته لهم، وتشجيع قلوبهم، وإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم حتى قتلوا " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " ذكر جماعة من المفسرين كابن عباس وغيره أن جبرئيل قال للنبي صلى الله عليه وآله يوم بدر: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لما التقى الجمعان لعلي عليه السلام: أعطني قبضة من حصباء الوادي (1)، فناوله كفا من حصا عليه تراب فرمى به في وجوه القوم و قال: " شاهت الوجوه " فلم يبق مشرك إلا دخل في عينه وفمه ومنخريه منها شئ، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت تلك الرمية سبب هزيمة القوم، و قال قتادة وأنس: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم، وحصاة في ميسرة القوم، وحصاة بين أظهرهم، وقال:
" شاهت الوجوه " فانهزموا، فعلى هذا إنما أضاف الرمي إلى نفسه لأنه لا يقدر أحد غيره على مثله فإنه من عجائب المعجزات " وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا " أي ولينعم به عليهم نعمة حسنة، والضمير (2) راجع إلى النصر، أو إليه تعالى " إن الله سميع " لدعائكم " عليم " بأفعالكم وضمائركم " ذلكم " موضعه رفع، والتقدير الامر ذلكم الانعام، أو ذلكم الذي ذكرت " وأن الله موهن كيد الكافرين " بإلقاء الرعب في قلوبهم وتفريق كلمتهم " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " فيل: إنه خطاب للمشركين فإن أبا جهل قال يوم بدر حين التقى الفئتان: اللهم أقطعنا للرحم (3)، وآتانا بما لا نعرف، فانصرنا عليه.
وفي حديث أبي حمزة قال أبو جهل: اللهم ربنا ديننا القديم، ودين محمد الحديث، فأي الدينين كان أحب إليك وأرضى عندك فانصر أهله اليوم.
فالمعنى إن تستنصروا لإحدى الفئتين فقد جاءكم النصر، أي نصر محمد وأصحابه،