بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ٢١٩
لنا بالعير، فأقبلوا يضربونهم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فانفتل من صلاته، وقال:
إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذبوكم تركتموهم، فأتوه بهم فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: يا محمد نحن عبيد قريش، قال: كم القوم؟ قالوا: لا علم لنا بعددكم قال: كم ينحرون كل يوم من جزور؟ قالوا: تسعة إلى عشرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: القوم تسعمائة إلى ألف رجل (1)، فأمر صلى الله عليه وآله بهم فحبسوا، و بلغ ذلك قريشا ففزعوا وندموا على مسيرهم، ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال: أما ترى هذا البغي والله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت فجئنا بغيا وعدوانا، والله ما أفلح قوم بغوا قط ولوددت ما في العير (2) من أموال بني عبد مناف ذهبت ولم نسر هذا المسير، فقال له أبو البختري: إنك سيد من سادات قريش، فسر في الناس وتحمل العير التي أصابها محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه بنخلة ودم ابن الحضرمي فإنه حليفك، فقال له: علي ذلك وما على أحد من خلاف إلا ابن الحنظلة، يعني أبا جهل، فصر إليه وأعلمه أني حملت العير ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله (3)، قال: فقصدت خباه وأبلغته ذلك، فقال: إن عتبة يتعصب لمحمد، فإنه من بني عبد مناف وابنه معه ويريد أن يخذل بين الناس لا واللات والعزى حتى نقحم عليهم يثرب، أو نأخذهم أسارى فندخلهم مكة، و تتسامع العرب بذلك، وكان أبو حذيفة بن عتبة مع رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان أبو سفيان (4)

(1) وذكر في السيرة أنه سألهما عن مكان القوم فقالا: هم والله من وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، وسأل عن أشرافهم فقالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، أبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، و طعيمة بن عدي بن نوفل، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام.
وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الناس فقال: هذه مكة قد القت إليكم أفلاذ كبدها.
(2) في المصدر: لوددت ان ما في العير.
(3) العقل: الدية.
(4) في سيرة ابن هشام، وأقبل أبو سفيان بن حرب حتى تقدم العير حذرا، حتى ورد الماء فقال المجدي بن عمرو [وكان على الماء]، هل أحسست أحدا؟ فقال: ما رأيت أحدا أنكره الا انى رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا [كانا هما بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء نزلا بدرا فاستقيا منها] فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيرهما ففته فإذا فيه النوى، فقال: والله هذه علائف يثرب، فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها، وترك بدرا بيسار، وانطلق حتى أسرع، و أقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن [عبد] المطلب بن عبد مناف رؤيا، فقال: انى رأيت فيما يرى النائم. وأنى لبين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل قد اقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له، ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة.
وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف، وفلان وفلان - فعدد رجالا ممن قتل يوم بدر من اشراف قريش - ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر، فما بقي خباء من أخبية العسكر الا اصابه نضخ من دمه، قال: فبلغت أبا جهل فقال: وهذا أيضا نبي اخر من بنى عبد المطلب، سيعلم غدا من المقتول ان نحن التقينا.
قال ابن إسحاق: ولما رأى أبو سفيان أنه قد احرز عيره أرسل إلى قريش: انكم خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجاه لله فارجعوا، فقال أبو جهل بن هشام، والله لا نرجع حتى نرد بدرا (وكان بدر موسما من مواسم العرب تجتمع لهم به سوق كل عام) فنقم عليه ثلاثا، فننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا ابدا بعدها فامضوا.
وقال الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي - وكان حليفا لبنى زهرة وهم بالجحفة - يا بنى زهرة قد نجى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جبنها وارجعوا، فإنه لا حاجة لكم بان تخرجوا في غير ضيعة، لا ما يقول هذا، يعني أبا جهل، فرجعوا، فلم يشهدها زهري واحد، أطاعوه وكان فيهم مطاعا. ولم يكن بقي من قريش بطن الا وقد نفر منهم ناس الا بنى عدى بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الأخنس بن شريق فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد، و مضى القوم. انتهى أقول: وذكر رجوع طالب بن أبي طالب وسيأتي ذكره.
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»
الفهرست