مع ذلك مضعفة، وليس يمتنع لو كانت صحيحة أن تكون المصلحة في الابتداء تقتضي العبادة بالخمسين من الصلوات، فإذا وقعت المراجعة تغيرت المصلحة، واقتضت أقل من ذلك حتى تنتهي إلى هذا العدد المستقر، ويكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد اعلم بذلك. فراجع طلبا للتخفيف عن أمته والتسهيل، ونظير ما ذكرناه في تغير المصلحة بالمراجعة وتركها أن فعل المنذور قبل النذر غير واجب، فإذا تقدم النذر صار واجبا وداخلا في جملة العبادات المفترضات، وكذلك تسليم المبيع غير واجب ولا داخل في جملة العبادات، فإذا تقدم عقد البيع وجب وصار مصلحة: ونظائر ذلك في الشرعيات أكثر من أن تحصى، فأما قول موسى (عليه السلام) له (صلى الله عليه وآله): إن أمتك لا تطيق فليس ذلك بتنبيه له (صلى الله عليه وآله)، وليس يمتنع أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يسأل مثل ذلك لو لم يقله موسى (عليه السلام)، ويجوز أن يكون قوله قوى دواعيه في المراجعة التي كانت أبيحت له، وفي الناس من استبعد هذا الموضع من حيث يقتضي أن يكون موسى (عليه السلام) في تلك الحال حيا كاملا، وقد قبض منذ زمان، وهذا ليس ببعيد، لان الله تعالى قد خبر أن أنبياءه عليهم السلام والصالحين من عباده في الجنان، يرزقون، فما المانع من أن يجمع الله بين نبينا (صلى الله عليه وآله) وبين موسى (عليه السلام) (1).
61 - علل الشرائع: القطان، عن السكري، عن الجوهري، عن عمر بن عمران، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن جبلة المكي، عن طاووس اليماني، عن ابن عباس قال:
دخلت عائشة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقبل فاطمة، فقالت له: أتحبها يا رسول الله؟ قال:
أما والله لو علمت حبي لها لازددت لها حبا، إنه لما عرج بي إلى السماء الرابعة أذن جبرئيل وأقام ميكائيل، ثم قيل لي: ادن يا محمد، فقلت: أتقدم وأنت بحضرتي يا جبرئيل؟
قال: نعم، إن الله عز وجل فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلك أنت خاصة (2)، فدنوت فصليت بأهل السماء الرابعة، ثم التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم (عليه السلام) في روضة من رياض الجنة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة، ثم إني صرت إلى السماء الخامسة، ومنها إلى السادسة فنوديت: يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ