وليس هذا من صفات النبي صلى الله عليه وآله في قرآن ولا خبر مع الأعداء المباينين (1)، فضلا عن المؤمنين المسترشدين، ثم وصفه بأنه يتصدى للأغنياء، ويتلهى عن الفقراء، وهذا مما لا يصف به نبينا صلى الله عليه وآله من يعرفه، فليس هذا مشبها لأخلاقه الواسعة وتحننه إلى قومه، وتعطفه، وكيف يقول له صلى الله عليه وآله: " وما عليك ألا يزكى " وهو صلى الله عليه وآله مبعوث للدعاء والتنبيه؟ وكيف لا يكون ذلك عليه وكان هذا القول إغراء بترك الحرص على إيمان قومه؟ وقد قيل: إن هذه السورة نزلت في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان منه هذا الفعل المنعوت فيها، ونحن وإن شككنا في عين من نزلت فيه فلا ينبغي أن نشك في أنها لم يعن بها النبي صلى الله عليه وآله، وأي تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين، و التلهي عنهم، والاقبال على الأغنياء الكافرين (2)؟ وقد نزه الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله عما دون هذا في التنفير بكثير انتهى (3).
أقول: بعد تسليم نزولها فيه صلى الله عليه وآله كان العتاب على ترك الأولى، أو المقصود منه إيذاء الكفار وقطع أطماعهم عن موافقة النبي صلى الله عليه وآله لهم، وذمهم على تحقير المؤمنين كما مر مرارا.
1 - تفسير علي بن إبراهيم: قوله: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق (4) " الآية فإنه كان سبب نزولها أن قوما من الأنصار من بني أبيرق (5) اخوة ثلاثة كانوا منافقين: بشير، ومبشر، وبشر، فنقبوا على عم قتادة بن النعمان وكان قتادة بدريا، وأخرجوا طعاما كان أعده لعياله، وسيفا ودرعا، فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن قوما انقبوا (6) على عمي وأخذوا طعاما كان أعده لعياله، ودرعا وسيفا وهم أهل بيت سوء، وكان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له: لبيد بن سهل، فقال بنوا بيرق لقتادة: هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ ذلك