كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد: إنما أتباعه العميان والعبيد، فأعرض عنه، وأقبل على القوم الذين يكلمهم فنزلت الآيات، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه قال: " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " ويقول: " هل لك من حاجة " واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين، ثم قال بعد نقل ما سيأتي من كلام السيد رحمه الله وقيل: إن ما فعله الأعمى كان نوعا من سوء الأدب، فحسن تأديبه بالاعراض عنه إلا أنه كان يجوز أن يتوهم أنه إنما أعرض عنه لفقرة، وأقبل عليهم لرياستهم تعظيما لهم، فعاتبه الله سبحانه على ذلك، وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال: مرحبا مرحبا، لا والله لا يعاتبني الله فيك أبدا، وكان يصنع فيه من اللطف حتى كان يكف عن النبي صلى الله عليه وآله مما يفعل به.
" عبس " أي بسر وقبض وجهه " وتولى " أي أعرض بوجهه " أن جاءه الأعمى " أي لان جاءه " وما يدريك لعله " أي لعل هذا الأعمى " يزكى " يتطهر بالعمل الصالح و ما يتعلمه منك " أو يذكر " أي يتذكر فيتعظ بما تعلمه من مواعظ القرآن " فتنفعه الذكرى " في دينه، قالوا: وفي هذا لطف عظيم لنبيه صلى الله عليه وآله، إذ لم يخاطبه في باب العبوس فلم يقل: عبست، فلما جاوز العبوس عاد إلى الخطاب " أما من استغنى " أي من كان عظيما في قومه واستغنى بالمال " فأنت له تصدى " أي تتعرض له وتقبل عليه بوجهك " وما عليك ألا يزكى " أي أي شئ يلزمك إن لم يسلم؟ فإنه ليس عليك إلا البلاغ " وأما من جاءك يسعى " أي يعمل في الخير، يعني ابن أم مكتوم " وهو يخشى " الله عز وجل " فأنت عنه تلهى " أي تتغافل وتشتغل عنه بغيره " كلا " أي لا تعد لذلك وانزجر عنه " إنها تذكرة " أي أن آيات القرآن تذكير وموعظة للخلق " فمن شاء ذكره " أي ذكر التنزيل أو القرآن أو الوعظ انتهى (1).
وقال السيد رضي الله عنه في التنزيه: أما ظاهر الآية فغير دال على توجهها إلى النبي صلى الله عليه وآله، ولا فيها ما يدل على أنها خطاب له، بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه، وفيها ما يدل عند التأمل على أن المعني بها غير النبي صلى الله عليه وآله، لأنه وصفه بالعبوس،