فإن قيل: ليس يعرف إضافة المصدر إلى المفعول إلا إذا كان المصدر متعديا بنفسه مثل قولهم: أعجبني ضرب زيد عمرو، وإضافة مصدر غير متعد إلى مفعوله غير معروفة.
قلنا: هذا تحكم في اللسان وعلى أهله، لأنهم في كتب العربية كلها أطلقوا أن المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول معا، ولم يستثنوا متعديا من غيره، ولو كان بينهما فرق لبينوه وفصلوه، كما فعلوا ذلك في غيره وليس قلة الاستعمال معتبرة في هذا الباب، لان الكلام إذا كان له أصل في العربية استعمل عليه وإن كان قليل الاستعمال، وبعد فإن ذنبهم ههنا إليه إنما هو ضدهم له عن المسجد الحرام ومنعهم إياه عن دخوله، فمعنى الذنب متعد، و إن كان معنى المصدر متعديا جاز أن يجري مجرى ما يتعدى بلفظه، فإن من عادتهم أن يحملوا الكلام تارة على معناه، وأخرى على لفظه انتهى (1).
وقال الطبرسي رحمه الله: لأصحابنا فيه وجهان: أحدهما: أن المراد ليغفر لك الله ما تقدم من ذنب أمتك وما تأخر بشفاعتك، ويؤيده ما رواه المفضل بن عمر، عن الصادق عليه السلام قال: سأله رجل عن هذه الآية، فقال: والله ما كان له ذنب، ولكن الله ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة علي عليه السلام ما تقدم من ذنبهم وما تأخر.
وروى عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عز وجل: " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " قال: ما كان له ذنب، ولا هم بذنب، ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له (2). ثم ذكر سائر الوجوه التي ذكرها السيد رحمه الله، وسيأتي تأويلها في الاخبار، وتأويل آية التحريم في باب أحوال أزواج النبي صلى الله عليه وآله.
قوله تعالى: " عبس وتولى " قال الطبرسي رحمه الله: قيل نزلت الآيات في عبد الله ابن أم مكتوم، وذلك أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأبيا وأمية ابني خلف يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم، فقال: يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله لقطعه