ذكرنا في هذه الآية وجها اخترناه وهو أشبه بالظاهر مما تقدم، وهو أن يكون المراد بقوله: " ما تقدم من ذنبك " الذنوب إليك، لان الذنب مصدر، والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معا، ألا ترى أنهم يقولون: أعجبني ضرب زيد عمرو، إذا أضافوه إلى المفعول، ومعنى المغفرة على هذا التأويل هي الإزالة والفسخ والنسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه، وذنوبهم إليه في منعهم إياه عن مكة، وصدهم له عن المسجد الحرام وهذا التأويل يطابق ظاهر الكلام حتى تكون المغفرة غرضا في الفتح ووجها له، وإلا فإذا أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله: " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغر لك الله " معنى معقول، لان المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح، وليست غرضا فيه، فأما قوله: " ما تقدم من ذنبك وما تأخر " فلا يمتنع أن يريد به ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح بك وبقومك وما تأخر، وليس لاحد أن يقول: إن سورة الفتح نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله بين مكة و المدينة وقد انصرف من الحديبية، وقال قوم من المفسرين: إن الفتح أراد به فتح خيبر، لأنه كان تاليا لتلك الحال، وقال آخرون: بل أراد به، أنا قضينا لك في الحديبية قضاء حسنا، فكيف تقولون ما لم يقله أحد من أن المراد بالآية فتح مكة، والسورة (1) قبل ذلك بمدة طويلة، وذلك أن السورة وإن كانت نزلت في الوقت الذي ذكر، وهو قبل فتح مكة فغير ممتنع أن يريد بقوله تعالى: " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " فتح مكة، ويكون على طريق البشارة له والحكم له بأنه سيدخل مكة، وينصره الله على أهلها، ولهذا نظائر في القرآن ومما يقوي أن الفتح في السورة أراد به فتح مكة قوله تعالى: " لتدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا (2) " والفتح القريب ههنا هو فتح خيبر، فأما حمل الفتح على القضاء الذي قضاه في الحديبية فهو خلاف الظاهر ومقتضى الآية، لان الفتح بالاطلاق الظاهر منه: الظفر والنصر، ويشهد له قوله تعالى: " وينصرك الله نصرا عزيزا (3) "
(٧٥)