لا نجوز عليهم شيئا من ذلك (1)، لان الله تعالى قد نصبهم حجة، واصطفاهم للرسالة فلا يجوز عليهم ما يطعن في ذلك أو ينفر، ومثل ذلك في النفر أعظم من الأمور التي جنبه الله تعالى (2) كنحو الكتابة والفظاظة وقول الشعر، فهذه الوجوه المذكورة في قوله: تلك الغرانيق العلى، وقد ظهر على القطع كذبها، فهذا كله إذا فسرنا التمني بالتلاوة، أما إذا فسرناها بالخاطر وتمني القلب فالمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله متى تمنى بعض ما يتمناه من الأمور وسوس الشيطان إليه بالباطل، ويدعوه إلى ما لا ينبغي، ثم إن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله ويهديه إلى ترك الالتفات إلى وسوسته، ثم اختلفوا في كيفية تلك الوسوسة على وجوه:
أحدها: أنه ما يتقرب به إلى المشركين من ذكر آلهتهم (3)، قالوا: إنه صلى الله عليه وآله كان يحب أن يتألفهم، وكان يتردد (4) ذلك في نفسه، فعند ما لحقه النعاس زاد تلك الزيادة من حيث كانت في نفسه، وهذا أيضا خروج عن الدين وبيانه ما تقدم.
وثانيها: ما قال مجاهد من أنه صلى الله عليه وآله كان يتمنى إنزال الوحي عليه على سرعة دون تأخير فنسخ الله ذلك بأن عرفه أن إنزال ذلك بحسب المصالح في الحوادث والنوازل وغيرها.
وثالثها: يحتمل أنه صلى الله عليه وآله عند نزول الوحي كان يتفكر في تأويله إذا كان محتملا (5) فيلقي الشيطان في جملته ما لم يرده، فبين تعالى أنه ينسخ ذلك بالابطال ويحكم ما أراده بأدلته وآياته.
ورابعها: معنى الآية إذا تمنى أراد فعلا تقربا إلى الله (6) ألقى الشيطان في ذكره (7)