وقال الطبرسي رحمه الله بعد نقل ملخص كلام السيد: وقال البلخي: ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما، فلما قرأها ألقاهما الشيطان في ذكره، فكاد أن يجريها على لسانه فعصمه الله ونبهه، ونسخ وسواس الشيطان وأحكم آياته بأن قرأها النبي صلى الله عليه وآله محكمة سليمة مما أراد الشيطان، والغرانيق جمع غرنوق وهو الحسن الجميل، يقال: شاب غرنوق وغرانق: إذا كان ممتليا ريانا " ثم يحكم آياته " أي يبقي آياته ودلائله وأوامره محكمة لا سهو فيها ولا غلط " ليجعل ما يلقي الشيطان " إلى قوله: " والقاسية قلوبهم " أي ليجعل ذلك تشديدا في التعبد، وامتحانا على الذين في قلوبهم شك، وعلى الذين قست قلوبهم من الكفار، فيلزمهم الدلالة على الفرق بين ما يحكمه الله وبين ما يلقيه الشيطان " لفي شقاق بعيد " أي في معاداة ومخالفة بعيدة عن الحق " وليعلم الذين أوتوا العلم " بالله وتوحيده وحكمته " أنه الحق من ربك " أي أن القرآن حق لا يجوز عليه التغيير والتبديل " فيؤمنوا به " أي فيثبتوا على إيمانهم، وقيل: يزدادوا إيمانا (1) " فتخبت له قلوبهم " أي تخشع وتتواضع لقوة إيمانهم (2).
وقال رحمه الله في قوله تعالى: " فلا تدع مع الله ": المراد به سائر المكلفين، وإنما أفرده بالخطاب ليعلم أن العظيم الشأن إذا أوعد فمن دونه كيف حاله، وإذا حذر هو فغيره أولى بالتحذير (3).
قوله تعالى: " وما كنت ترجو " قال الرازي: في كلمة " إلا " وجهان: أحدهما أنها للاستثناء، ثم قال صاحب الكشاف: هذا كلام محمول على المعنى، كأنه قيل: وما القي إليك الكتاب إلا رحمة من ربك، ويمكن أيضا إجراؤه على ظاهره، أي وما كنت ترجو إلا أن يرحمك الله رحمة فينعم عليك بذلك، أي وما كنت ترجو إلا على هذا الوجه.
والثاني: أن " إلا " بمعنى (لكن) أي ولكن رحمة من ربك القي إليك، ثم إنه كلفه بأمور: أحدها: أن لا يكون مظاهرا للكفار (4).