وقد قررنا بالبرهان والاجماع عصمته صلى الله عليه وآله من جريان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا، أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان، أو أن يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه، ثم قال: ووجه ثان وهو استحالة هذه القصة نظرا وعرفا، وذلك أن الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الالتيام متناقض الاقسام (1)، ممتزج المدح بالذم، متخاذل التأليف والنظم، ولما كان النبي صلى الله عليه وآله ولا من بحضرته من المسلمين وصناديد قريش من المشركين (2) ممن يخفى عليه ذلك، و هذا لا يخفى (3) على أدنى متأمل، فكيف بمن رجح حلمه (4)، واتسع في باب البيان و معرفة فصيح الكلام علمه.
ووجه ثالث: أنه قد علم من عادة المنافقين ومعاندي المشركين وضعفة القلوب و الجهلة من المسلمين نفورهم لأول وهلة وتخليط العدو على النبي صلى الله عليه وآله لأقل فتنة، و ارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الاسلام لأدنى شبهة، ولم يحك أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل، ولو كان ذلك لوجدت قريش (5) على المسلمين الصولة، ولا قامت بها اليهود عليهم الحجة كما فعلوه مكابرة في قضية الاسراء حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردة، وكذلك ما روي في قصة القضية ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت، ولا تشغيب (6) للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت، فما روي عن معاند فيها كلمة، ولا عن مسلم بسببها شبهة (7) فدل على بطلها واجتثاث أصلها ثم ذكر أكثر الوجوه التي ذكرها السيد والرازي (8).