بالمعاصي، ويغريه (1) بها ويدعوه إليها، وإن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وعصيانه، وترك استماع غروره، فأما الأحاديث المروية في هذا الباب فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل عليهم السلام عنه، هذا لو لم تكن في أنفسها مطعونة مضعفة (2) عند أصحاب الحديث بما يستغنى عن ذكره، وكيف يجيز ذلك على النبي صلى الله عليه وآله من يسمع الله يقول: " كذلك لنثبت به فؤادك (3)، يعني القرآن، وقوله تعالى: " ولو تقول علينا (4) " الآيات، وقوله تعالى: " سنقرئك فلا تنسى (5) " على أن من يجيز السهو على الأنبياء عليهم السلام يجب أن لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة، لما فيه (6) من غاية التنفير عن النبي صلى الله عليه وآله، لان الله تعالى قد جنب نبيه صلى الله عليه وآله من الأمور الخارجة عن باب المعاصي، كالغلظة والفظاظة وقول الشعر وغير ذلك مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالى، على أنه صلى الله عليه وآله لا يخلو - وحوشي مما قرف به (7) - من أن يكون تعمد ما حكوه وفعله قاصدا، أو فعله ساهيا، ولا حاجة بنا إلى إبطال القصد في هذا الباب والعمد لظهوره، وإن كان فعله ساهيا فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقتها، ثم بمعنى ما تقدمها من الكلام، لأنا نعلم ضرورة أن شاعرا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها، وفي معنى البيت الذي تقدمه، وعلى الوجه الذي يقتضيه فائدته، وهو مع ذلك يظن أنه من القصيدة التي ينشدها، وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوى على النبي صلى الله عليه وآله (8) على أن بعض أهل العلم قد قال: يمكن أن يكون وجه التباس الامر أن رسول الله صلى الله عليه وآله
(٦٦)