ومن حاد عنها هلك، فاقتحم القوم الماء وهم يقولون: الكلمة (1)، ولم يتأخر من القوم سوى رجلين: أحدهما من بني جمح، والآخر من بني عدي، فقال العدوي: بسم الله و بالله، وقال الجمحي: بسم اللات والعزى، فغرق الجمحي وأمواله، وسلم العدوي و أمواله، فقال القوم للعدوي: ما بال صاحبك غرق؟ قال: إنه قد عوج لسانه وخالف قول النبي صلى الله عليه وآله (2) فغرق، فاغتم أبو جهل لعنه الله وقومه، وقالوا: ما هذا إلا سحر عظيم، فقال له بعض أصحابه: يا ابن هشام ما هذا بسحر، ولكن والله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أفضل من محمد، فلم يرد جوابا، وساروا حتى نزلوا على بئر وكان تنزل عليه العرب في طريق الشام (3)، فقال أبو جهل: والله لأجد في نفسي غبنة (4) عظيمة إن رد محمد من سفره هذا سالما، ولقد عزمت على قتله، وكيف لي بالحيلة في قتله وهو ينظر من ورائه كما ينظر من أمامه، ولكن أفعل فسوف تنظرون، ثم عمد إلى الرمل والحصى وملا حجره وكبس (5) به البئر، فقال أصحابه: ولم تفعل ذلك؟ فقال: أريد دفن البئر حتى إذا جاء ركب بني هاشم وقد أجهدهم العطش فيموتوا عن آخرهم، فتبادر القوم بالرمل و الحصى ولم يتركوا للبئر أثرا، فقال أبو جهل لعنه الله: الآن قد بلغت مرادي، ثم التفت إلى عبد له اسمه فلاح وقال له: خذ هذه الراحلة، وهذه القربة والزاد واختف تحت الجبل (6)، فإذا جاء ركب بني هاشم يقدمهم محمد، وقد أجهدهم العطش والتعب ولم يجدوا للبئر أثرا فيموتوا فأتني بخبرهم، فإذا أتيتني وبشرتني بموتهم أعتقتك وزوجتك بمن تريد من أهل مكة، فقال: حبا وكرامة، ثم سار أبو جهل وتأخر العبد كما أمره مولاه، وإذا بركب بني هاشم قد أقبل يتقدمهم محمد، فتبادر القوم إلى البئر فلم يجدوا له أثرا، فضاقت صدورهم
(٣٤)