وأيقنوا بالهلاك، فلاذوا بمحمد صلى الله عليه وآله (1)، فقال لهم: هل هنا موضع يعرف بالماء؟ قالوا نعم بئر قد ردمت (2) بالرمل والحجارة (3)، فمشى النبي صلى الله عليه وآله حتى وقف على شفير البئر فرفع طرفه إلى السماء ونادى: يا عظيم الأسماء، يا باسط الأرض، ويا رافع السماء، قد أضر بنا الظماء، فاسقنا الماء، فإذا بالحجارة والرمل قد تصلصلت (4)، وعين الماء قد نبعت وتفجرت، وجرى الماء من تحت أقدامه، فسقى القوم دوابهم، وملؤوا قربهم، وساروا و سار العبد إلى مولاه، وقال: ما وراءك يا فلاح؟ وقال: والله ما أفلح من عادى محمدا، وحدثهم بما عاين منه، فامتلى أبو جهل غيظا، وقال للعبد: غيب وجهك عني، فلا أفلحت أبدا، ثم سار حتى وصل واديا من أودية الشام يقال له: ذبيان، وكان كثير الأشجار، إذ خرج من ذلك الوادي ثعبان عظيم كأنه النخلة السحوق، ففتح فاه وزفر، وخرج من عينيه الشرار، فجفلت منه ناقة أبي جهل لعنه الله، ولعبت بيديها ورجليها ورمته فكسرت أضلاعه، فغشي عليه، فلما أفاق قال لعبيده: تأخروا (5) إلى جانب الطريق، فإذا جاء ركب بني هاشم يتقدمهم محمد قدموه علينا حتى إذا رأت ناقته الثعبان فعسى أن ترميه إلى الأرض فيموت، ففعل العبيد ما أمرهم به، وإذا بركب بني هاشم قد أقبل يتقدمهم محمد، فقال النبي صلى الله عليه وآله:
يا ابن هشام أراكم قد نزلتم وليس هو وقت نزولكم؟ فقال له: يا محمد، والله قد استحييت أن أتقدم عليك، وأنت سيد أهل الصفا، وأعلا حسبا ونسبا، فتقدم، فلعن الله من يبغضك، ففرح العباس بذلك، وأراد العباس أن يتقدم فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وقال: ارفق يا عم، فما تقديمهم لنا إلا لمكيدة لنا (6)، ثم إنه صلى الله عليه وآله تقدم أمامهم ودخل إلى ذلك الشعب، و إذا بالثعبان قد ظهر فجفلت منه ناقة النبي صلى الله عليه وآله، فزعق بها النبي صلى الله عليه وآله وقال: ويحك