في القافلة أن ينقلوا رحالهم إلى نحو الجبل (1) مخافة السيل، ففعلوا إلا رجلا من بني جمح (2) يقال له: مصعب، وكان له مال كثير: فأبى أن يتغير (3) من مكانه، وقال:
يا قوم ما أضعف قلوبكم؟ تنهزمون عن شئ لم تروه ولم تعاينوه؟ فما استتم كلامه إلا وقد ترادفت السحاب والبرق ونزل السيل وامتلأ الوادي من الحافة إلى الحافة (4)، و أصبح الجمحي وأمواله كأنه لم يكن، وأقام القوم في ذلك المكان أربعة أيام والسيل يزداد، فقال ميسرة: يا سيدي هذه السيول لا تنقطع إلى شهر، ولا تقطعه السفار (5)، و إن أقمنا هاهنا أضر بنا المقام، ويفرغ الزاد، والرأي (6) عندي أن نرجع إلى مكة، فلم يجبه النبي صلى الله عليه وآله إلى ذلك، ثم نام فرأى في منامه ملكا يقول له: يا محمد لا تحزن، إذا كان غداة غد مر قومك بالرحيل، وقف على شفير الوادي، فإذا رأيت الطير الأبيض قد خط بجناحه فاتبع الخط، وأنت تقول: بسم الله وبالله، وأمر قومك أن يقولوا: هذه الكلمة، فمن قالها سلم، ومن حاد عنها غرق، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله وهو فرح مسرور، ثم أمر ميسرة أن ينادي في الناس بالرحيل، فرحلوا وشد ميسرة رحاله، فقال الناس: يا ميسرة وكيف نسير وهذا الماء لا تقطعه إلا السفن؟ فقال: أما أنا فإن محمدا أمرني، وأنا لا أخالفه فقال القوم: ونحن أيضا لا نخالفه، فبادر القوم، وتقدم النبي صلى الله عليه وآله ووقف على شفير الوادي، وإذا بالطير الأبيض قد أقبل من ذروة الجبل. وخط بجناحه خطا أبيض يلمع، فشمر النبي صلى الله عليه وآله أذياله واقتحم الماء وهو يقول: بسم الله وبالله، فلم يصل الماء إلى نصف ساقه، ونادى أيها الناس لا يدخل أحد منكم الماء حتى يقول هذه الكلمة، فمن قالها سلم،