قال: الساعة نأكل منها ونتزود إن شاء الله تعالى، فقال له العباس: يا بن أخي النخلة إذا غرست تثمر في خمس سنين (1)، قال: يا عم سوف ترى من آيات ربي الكبرى، ثم ساروا حتى تواروا عن الوادي، فقال: يا عم (2) ارجع إلى الموضع الذي فيه النخلات واجمع لنا ما نأكله، فمضى العباس فرأى النخلات قد كبرت، وتمايلت (3) أثمارها، وأزهرت (4) فأوقر منها راحلته، والتحق بالنبي صلى الله عليه وآله، فكان يأكل من التمر ويطعم القوم فصاروا متعجبين من ذلك، فقال أبو جهل لعنه الله: لا تأكلوا يا قوم مما يصنعه محمد الساحر، فأجابه قومه وقالوا: يا بن هشام اقصر عن الكلام، فما هذا بسحر، ثم سار القوم حتى وصلوا عقبة أيله، وكان بها دير، وكان مملوءا رهبانا، وكان فيهم راهب يرجعون إلى رأيه وعقله يقال (5) له: الفيلق بن اليونان بن عبد الصليب، وكان يكنى أبا خبير، وقد قرء الكتب، وعنده سفر فيه صفة النبي صلى الله عليه وآله من عهد عيسى بن مريم عليه السلام، وكان إذا قرأ الإنجيل على الرهبان ووصل إلى صفات النبي صلى الله عليه وآله بكى، وقال: يا أولادي متى تبشروني بقدوم البشير النذير، الذي يبعثه الله من تهامة، متوجا بتاج الكرامة، تظله الغمامة، يشفع في العصاة يوم القيامة (6)، فقال له الرهبان: لقد قتلت نفسك بالبكاء والأسف على هذا الذي تذكره، وعسى أن يكون قد قرب أوانه، فقال: إي والله إنه قد ظهر بالبيت الحرام، ودينه عنه الله الاسلام، فمتى تبشروني بقدومه من أرض الحجاز، وهو تظله الغمامة، وأنشأ يقول شعرا:
لان نظرت عيني جمال أحبتي * وهبت لبشرى الوصل ما ملكت يدي وملكته روحي ومالي غيرها * وهذا قليل في محبة أحمد