أسهرت عيني في هواك صبابة * وملئت قلبي لوعة (1) وجنونا ثم قالت: يا سيدي عندك ما تركب عليه؟ قال: إذا تعبت ركبت أي بعير أردت، قالت: وما يحملني على ذلك (2)؟ لا كانت الأموال دونك يا محمد (3)، ثم قالت لعبدها ميسرة: ايتني بناقتي الصهباء حتى يركبها سيدي محمد، فأتى بها ميسرة وهي تزيد على الأوصاف، لا يلحقها في سيرها تعب، ولا يصيبها نصب، كأنها خيمة مضروبة، أو قبة منصوبة، ثم التفتت إلى ميسرة وناصح وقالت لهما: اعلما أنني قد أرسلت إليكما أمينا على أموالي، وأنه أمير قريش وسيدها (4)، فلا يد على يده، فإن باع لا يمنع، و ترك لا يؤمر، وليكن كلامكما له بلطف وأدب، ولا يعلو كلامكما على كلامه، قال عبدها ميسرة: والله يا سيدتي إن لمحمد عندي محبة عظيمة قديمة، والآن قد تضاعفت لمحبتك له، ثم إن النبي صلى الله عليه وآله ودع خديجة وركب راحلته وخرج وميسرة وناصح بين يديه، وعين الله ناظرة إليه، فعندها قالت خديجة شعرا:
قلب المحب إلى الأحباب مجذوب * وجسمه بيد الأسقام منهوب وقائل كيف طعم الحب قلت له: * الحب عذب ولكن فيه تعذيب أقذى (5) الذين علي خدي لبعدهم * دمي ودمعي مسفوح ومسكوب ما في الخيام وقد سارت ركابهم (6) * إلا محب له في القلب (7) محبوب كأنما يوسف في كل ناحية (8) * والحز (9) في كل بيت فيه يعقوب