قد تولع قلبها بالنبي صلى الله عليه وآله لما سمعت (1) من الأحبار والرهبان والكهان، وما يذكرونه من الدلالات، وما رأت قريش من الآيات، فكانت تقول: سعدت من تكون لمحمد قرينة، فإنه يزين صاحبه (2)، وازداد بها الوجد، ولج بها الشوق (3)، فبعثت إلى عمها ورقة ابن نوفل فقالت له: يا عم أريد أن أتزوج وما أدري بمن يكون، وقد أكثر علي الناس وقلبي لا يقبل منهم أحدا، فقال لها ورقة: يا خديجة ألا أعلمك بحديث غريب وأمر عجيب؟ قالت: وما هو يا عم؟ قال: عندي كتاب من عهد عيسى عليه السلام فيه طلاسم وعزائم، أعزم بها على ماء وتأخذينه وتغسلين به، ثم أكتب كتابا فيه كلمات من الزبور، وكلمات من الإنجيل، فتضعيه تحت رأسك عند النوم وأنت على فراشك ملتفة بثيابك، فإن الذي يكون زوجك يأتيك في منامك حتى تعرفيه باسمه وكنيته، فقالت: افعل يا عم، قال:
حبا وكرامة، وكتب الكتاب، وأعطاها إياه، وفعلت ما أمرها به ونامت فرأت كأن قد جاء إليها رجل لا بالطويل الشاهق، ولا بالقصير اللاذق، أدعج العينين، أزج الحاجبين، أحور المقلتين (4)، عقيقي الشفتين، مورد الخدين، أزهر اللون، مليح الكون، معتدل القامة، تظله الغمامة، بين كتفيه علامة، راكب على فرس من نور، مزمم (5) بسلسلة من ذهب، على ظهره سرج من العقيان، مرصع بالدر والجوهر، له وجه كوجه الآدميين منشق الذنب، له أرجل كالبقر، خطوته مد البصر، وهو يرقل بالراكب، وكان خروجه من دار أبي طالب، فلما رأته خديجة ضمته إلى صدرها، وأجلسته في حجرها، ولم تنم باقي ليلتها إلى أن أقبلت إلى عمها ورقة، وقالت: أنعمت صباحا يا عم، قال: وأنت لقيت