ثم إن النبي صلى الله عليه وآله سار مجدا للسير إلى الأبطح، فوجد القوم مجتمعين، وهم لقدومه منتظرون، فلما نظروا إلى جمال سيد المرسلين وقد فاق الخلق أجمعين فرح المحب (1)، واغتم الحاسد (2)، وظهر الحسد والكمد فيمن (3) سبقت له الشقاوة من المكذبين (4)، وزادت عقيدة من سبقت له السعادة من المؤمنين، فلما نظر العباس إليهم أنشأ يقول:
يا مخجل الشمس والبدر المنير إذا * تبسم الثغر لمع البرق منه أضا كم معجزات رأينا منك قد ظهرت * يا سيدا ذكره يشفي به المرضى فلما نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى أموال خديجة على الأرض ولم يحمل منها شئ زعق على العبيد، وقال: ما الذي منعكم عن شد رحالكم؟ قالوا يا سيدنا لقلة عددنا، وكثرة أموالنا، فأبرك راحلته، ونزل ولوى ذيله في دور منطقته وصار يزعق بالبعير فيقول:
بإذن الله تعالى، فتعجب الناس من فعله، فنظر العباس إلى النبي صلى الله عليه وآله وقد احمرت وجناته من العرق، فقال: كيف أخلي الشمس تقرح هذا الوجه الكريم؟ فعمد إلى خشبة وقال: لاتخذن منها حجفة (5) تظل (6) محمدا من حر الشمس، فارتجت الأقطار وتجلى الملك الجبار، وأمر الأمين جبرئيل عليه السلام أن يهبط (7) إلى رضوان خازن الجنان وقل له: يخرج لك الغمامة التي خلقتها لحبيبي محمد صلى الله عليه وآله قبل أن أخلق آدم بألفي عام، وانشرها على رأس حبيبي محمد، فلما رأوها شخصت نحوها الابصار، وقال العباس: إن (8) محمدا لكريم على ربه، ولقد استغنى عن حجفتي (9)، ثم أنشأ يقول: