بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٨٩
ويحكم ما يريد، فأمسك الناس عنه، ثم أضاف إلى الثمانين عشرة وجعل يقول: (يا رب إليك المرجع، وأنت ترى وتسمع) ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد الله، فوقع عبد المطلب مغشيا " عليه، فلما أفاق قال: (وا غوثاه إليك يا رب) وجذب ابنه للذبح وضجت الناس بالبكاء والعويل رجالا " ونساء "، فعند ذلك صاح عبد الله في وثاقه (1) وقال: يا أبت أما تستحيي من الله؟ كم ترد أمره وتلح عليه؟
هلم إلي فانحرني فإني قد خجلت من تعرضك إلى ربك في حقي، فإني صابر على قضائه وحكمه، وإن كنت يا أبت لا تقدر على ذلك من رقة قلبك علي يا أبتاه فخذ بيدي ورجلي واربطهما بعضهما إلى بعض، وغط وجهي لئلا ترى عينك عيني، واقبض ثيابك عن دمي لكيلا تتلطخ بالدم، فتكون إذا لبست أثوابك تذكرك الحزن علي يا أبت، وأوصيك يا أبتاه بأمي خيرا "، فإني أعلم أنها بعدي هالكة لا محالة من أجل حزنها علي فسكنها وسكن دمعتها، وإني أعلم أنها لا تلتذ بعدي بعيش، وأوصيك بنفسك خيرا، فإن خفت ذلك فغمض عينيك فإنك تجدني صابرا "، ثم قال عبد المطلب: يعز علي يا ولدي كلامك هذا، ثم بكى حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: (يا قوم ما تقولون؟ كيف أتعرض على ربي في قضائه؟ وإني أخاف أن ينتقم مني (2)، ثم قام ونهض إلى الكعبة فطاف بها سبعا " ودعا الله ومرغ وجهه وزاد في دعائه، وقال: (يا رب امض أمرك فإني راغب في رضاك (2)) ثم زاد على الإبل عشرة فصارت مأة، وقال: من أكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ثم قال: (رب ارحم تضرعي وتوسلي وكبري) ثم أمر صاحب القداح أن يضربها، فضربها فخرج السهم على الإبل، فنزع الناس عبد الله من يد أبيه، وأقبلت الناس من كل مكان يهنئونه بالخلاص، وأقبلت أمه وهي تعثر (4) في أذيالها فأخذت ولدها وقبلته وضمته إلى صدرها، ثم قالت: (الحمد لله الذي لم يبتلني بذبحك،

(1) الوثاق: ما يشد به من قيد وحبل ونحوهما.
(2) في المصدر: فانى أستحيي أعاوده مرة أخرى فينتقم منى.
(3) في المصدر: ما أنا راغب عن قضائك.
(4) أي تسقط.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست