بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٥٣
لا مقام لي معكم أكثر من يومي هذا، وغدا " توسدوني التراب (1)، فبكى القوم بكاء " شديدا " وعلموا أنه مفارق الدنيا، ولم يزالوا يشاهدونه (2) حتى طلع الفجر الأول، فاشتد به الامر، فقال لهم: أقعدوني وسندوني وآتوني بدواة وقرطاس، فأتوه بما طلب، وجعل يكتب وأصابعه ترتعد، فقال: باسمك اللهم هذا كتاب كتبه عبد ذليل، جائه أمر مولاه بالرحيل، أما بعد فإني كتبت إليكم هذا الكتاب وروحي بالموت تجاذب، لأنه لا لأحد من الموت مهرب (3)، وإني قد نفذت إليكم أموالي فتقاسموها بينكم بالسوية، ولا تنسوا البعيدة عنكم (4) التي آخذت نوركم، وحوت عزكم سلمى، وأوصيكم بولدي الذي منها، وقولوا: لخلادة (5) وصفية ورقية يبكين علي، ويندبن ندب الثاكلات، ثم بلغوا سلمى عني السلام وقولوا لها: آه ثم آه، إني لم أشبع من قربها، والنظر إليها وإلى ولدها، والسلام عليكم ورحمة الله إلى يوم النشور، ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى أصحابه، وقال: أضجعوني فأضجعوه، فشخص ببصره نحو السماء ثم قال:
رفقا " " رفقا " أيها الرسول بحق ما حملت من نور المصطفى، وكأنه كان مصباحا وانطفئ، ثم لما مات جهزوه ودفنوه وقبره معروف هناك، ثم عزم عبيدة وغلمانه على الرحيل بأمواله وفيه يقول الشاعر:
اليوم هاشم قد مضى لسبيله * يا عين جودي منك بالعبرات وابكي على البدر المنير بحرقة * وابكي على الضرغام طول حياتي آه أبو كعب مضى لسبيله * يا عين فابكى الجود بالعبرات صعب العريكة لابه لوم ولا * فشل غداة الروع والكربات يا عين أبكي غيث جود هاطل * أعني ابن عبد مناف ذي الخيرات

(1) أي تجعلون تحت رأسي تراب قبري.
(2) يساهروه خ ل وكذا في المصدر.
(3) وروحي بالموت تجذب ومالاحد خ ل وكذا في المصدر وفيه: مالاحد منه مهرب.
(4) في المصدر: البعيدة الغائبة عنكم.
(5) في المصدر: لخالدة.
(٥٣)
مفاتيح البحث: البكاء (1)، الجود (2)، الموت (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست