تسقط مرة، وتقوم أخرى، وما بقي في الحي شيخ ولا شاب ولا حر ولا عبد إلا يعدوا في البرية في طلب محمد صلى الله عليه وآله وهم يبكون كلهم بقلب محترق، وركب عبد الله بن الحارث وركب معه آل بني سعد، وحلف إن لا وجدت محمدا " صلى الله عليه وآله الساعة وضعت سيفي في آل بني سعد وغطفان، وأقتلهم عن آخرهم، وأطلب بدم محمد صلى الله عليه وآله، وذهبت حليمة على حالتها مع نساء بني سعد نحو مكة ودخلها، وكان عبد المطلب قاعدا " عند أستار الكعبة مع رؤوساء قريش وبني هاشم، فلما نظر إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه وصاح وقال:
ما الخبر؟ فقالت حليمة: اعلم أن محمدا " قد فقدناه منذ أمس، وقد تفرق آل سعد في طلبه، قال: فغشي عليه ساعة، ثم أفاق وقال كلمة لا يخذل قائلها: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: يا غلام هات فرسي وسيفي وجوشني، فقام عبد المطلب وصعد إلى أعلى الكعبة ونادى: يا آل غالب، يا آل عدنان، يا آل فهر، يا آل نزار، يا آل كنانة، يا آل مضر، يا آل مالك، فاجتمع عليه بطون العرب ورؤوساء بني هاشم وقالوا له: ما الخبر يا سيدنا؟
فقال لهم عبد المطلب: إن محمدا " صلى الله عليه وآله لا يرى منذ أمس فاركبوا وتسلحوا، فركب ذلك اليوم مع عبد المطلب عشرة آلاف رجل، فبكى الخلق كلهم رحمة لعبد المطلب، وقامت الصيحة والبكاء في كل جانب حتى المخدرات خرجن من الستور مرافقة لعبد المطلب مع القوم إلى حي بني سعد، وسائر الأطراف، وانجذب (1) عبد المطلب نحو حي عبد الله بن الحارث وأصحابه باكين العيون، ممزقين الثياب، فلما نظر عبد الله إلى عبد المطلب رفع صوته بالبكاء وقال: يا أبا الحارث واللات والعزى واثاف (2) ونائلة إن لم أجد محمدا "