بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٥٥
تسقط مرة، وتقوم أخرى، وما بقي في الحي شيخ ولا شاب ولا حر ولا عبد إلا يعدوا في البرية في طلب محمد صلى الله عليه وآله وهم يبكون كلهم بقلب محترق، وركب عبد الله بن الحارث وركب معه آل بني سعد، وحلف إن لا وجدت محمدا " صلى الله عليه وآله الساعة وضعت سيفي في آل بني سعد وغطفان، وأقتلهم عن آخرهم، وأطلب بدم محمد صلى الله عليه وآله، وذهبت حليمة على حالتها مع نساء بني سعد نحو مكة ودخلها، وكان عبد المطلب قاعدا " عند أستار الكعبة مع رؤوساء قريش وبني هاشم، فلما نظر إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه وصاح وقال:
ما الخبر؟ فقالت حليمة: اعلم أن محمدا " قد فقدناه منذ أمس، وقد تفرق آل سعد في طلبه، قال: فغشي عليه ساعة، ثم أفاق وقال كلمة لا يخذل قائلها: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: يا غلام هات فرسي وسيفي وجوشني، فقام عبد المطلب وصعد إلى أعلى الكعبة ونادى: يا آل غالب، يا آل عدنان، يا آل فهر، يا آل نزار، يا آل كنانة، يا آل مضر، يا آل مالك، فاجتمع عليه بطون العرب ورؤوساء بني هاشم وقالوا له: ما الخبر يا سيدنا؟
فقال لهم عبد المطلب: إن محمدا " صلى الله عليه وآله لا يرى منذ أمس فاركبوا وتسلحوا، فركب ذلك اليوم مع عبد المطلب عشرة آلاف رجل، فبكى الخلق كلهم رحمة لعبد المطلب، وقامت الصيحة والبكاء في كل جانب حتى المخدرات خرجن من الستور مرافقة لعبد المطلب مع القوم إلى حي بني سعد، وسائر الأطراف، وانجذب (1) عبد المطلب نحو حي عبد الله بن الحارث وأصحابه باكين العيون، ممزقين الثياب، فلما نظر عبد الله إلى عبد المطلب رفع صوته بالبكاء وقال: يا أبا الحارث واللات والعزى واثاف (2) ونائلة إن لم أجد محمدا "

(1) انجذب في السير: أسرع أوصار فيه بعيدا ".
(2) هكذا في الأصل، وهو مصحف، وفى المطبوع: اساف بالسين وهو الصحيح، واساف ككتاب وسحاب: وصنم وضعها عمرو بن لحي على الصفا، ونائلة على المروة، وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة، وقال اليعقوبي: أول صنم وضع بمكة هبل، قدم به مكة عمرو بن لحي من الشام، ثم وضعوا به أساف ونائلة كل واحد منهما على ركن من أركان البيت، فكان الطائف إذا طاف بدأ بأساف فقبله وختم به انتهى وقال ابن إسحاق: وضعوهما على موضع زمزم ينحرون عندهما. واللات مشددة التاء من اللت وهو المزج والخلط، ثم خففت: صنم بالطائف، أحدث من مناة كانت صخرة مربعة، وكان يهودي يلت السويق عندها، قد بنوا أمامها بيتا، وكانت قريش وجميع العرب تعظمها، وكانت سدنتها وحجابها بنى معتب من ثقيف على ما في السيرة، أو بنى عتاب بن مالك على ما قاله الكلبي.
والعزى: صنم من أعظم أصنام العرب، كانت بواد النخلة الشامية يقال له: حراض، بإزاء الغمير عن يمين المصعد إلى العراق من مكة، فبنى عليها بيت وكانوا يسمعون فيه الصوت، وكانت أعظم الأصنام عند قريش وبنى كنانة، كانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح، وكان سدنتها وحجابها بنى شيبان من سليم حلفاء بني هاشم قاله ابن هشام والكلبي، وقال اليعقوبي: كانت لغطفان.
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»
الفهرست