فقال: أشهد أنه هو وإلا فلست بحيراء، ثم قال: يا هذا أتأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله، فقلت له: قربه إليه (1)، فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقلت (2) له: يا بني رجل أحب أن يكرمك فكل، فقال: هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيراء: نعم هو لك خاصة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: فإني لا آكل دون هؤلاء، فقال بحيراء: إنه لم يكن عندي أكثر من هذا، فقال: أفتأذن يا بحيراء أن يأكلوا معي؟ فقال: نعم، فقال: بسم الله (3)، فأكل و أكلنا معه، فوالله لقد كنا مأة وسبعين رجلا "، وأكل (4) كل واحد منا حتى شبع و تجشأ، وبحيراء قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله يذب عنه، ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام، وفي كل ساعة يقبل رأسه ويافوخه (5)، ويقول: هو هو ورب المسيح، والناس لا يفقهون (6)، فقال رجل من الركب: إن لك لشأنا "، وقد كنا نمر بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر، فقال بحيراء: والله إن لي لشأنا " وشأنا "، وإني لأرى مالا ترون، وأعلم ما لا تعلمون، وإن تحت هذه الشجرة لغلاما " لو كنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه، والله ما أكرمتكم إلا له، ولقد رأيت (7) وقد أقبل نور من أمامه ما بين السماء والأرض، ولقد رأيت رجالا " في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه، ثم هذه السحابة لا تفارقه، وصومعتي (8) مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان وقد كثرت أغصانها واهتزت و
(١٩٥)