بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ١٩٤
مثل هذا تخرجه معك؟ فقلت: والله لا يفارقني حيث توجهت أبدا "، وإني لا وطئ له الرحل، فذهبت فحشوت له حشية زكتأ وكنا ركبانا " كثيرا " (1)، فكان والله البعير الذي عليه محمد أمامي لا يفارقني وكان يسبق الركب كلهم، وكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه وتقف على رأسه ولا تفارقه، وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا، وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب قربة إلا بدينارين، وكنا حيث ما نزلنا تمتلي الحياض، ويكثر الماء وتخضر الأرض، فكنا في كل خصب وطيب من الخير، وكان فينا (2) قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله ومسح عليها فسارت (3)، فلما قربنا من بصرى (4) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت، فإذا فيها راهب وكانت السحابة لا تفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة واحدة، وكان الراهب لا يكلم الناس، ولا يدري ما الركب، وما فيه من التجار (5)، فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله عرفه، فسمعته يقول: إن كان أحد فأنت أنت، قال:
فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الأغصان، ليس لها حمل، وكان الركب ينزل تحتها، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة، وألقت أغصانها على رسول الله، وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة: فاكهتان للصيف، وفاكهة للشتاء، فتعجب جميع من معنا من ذلك، فلما رأى بحيراء (6) الراهب ذهب فاتخذ طعاما " لرسول الله بقدر ما يكفيه، ثم جاء وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال، أي شئ تكون منه؟ فقلت:
أنا عمه، فقال: يا هذا إن له أعماما "، فأي الأعمام أنت؟ فقلت أنا أخو أبيه من أم واحدة،

(1) في المصدر: فحشوت له حشية كساء وكتانا وكنا ركبانا كثيرا ".
(2) في المصدر: وكان معنا.
(3) في المصدر: فمسح يده عليها فسارت.
(4) في المصدر: بصرى الشام. قلت: بصرى بالضم والقصر: من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حوران.
(5) في المصدر: ولا ما فيه من التجارة.
(6) في سيرة ابن هشام والقاموس: بحيرى بالقصر، وظاهر المصدر ونسخة المصنف بالمد حيث أنه أثبت فيهما بالألف.
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست