حتى عظمت الفتنة، فلما رأى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا وصاموا و اشتغلوا بالدعاء والتسبيح لله عز وجل، وكانوا من أشراف الروم، وكانوا ثمانية نفر فبكوا وتضرعوا وجعلوا يقولون: ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا، اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة، فبينا هم على ذلك إذ أدركهم الشرط وكانوا قد دخلوا في مصلى لهم فوجدوهم سجودا على وجوههم يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل ويسألونه أن ينجيهم من دقيانوس وفئته، فلما رأوهم رفعوا أمرهم إلى دقيانوس وقالوا: هؤلاء الفتية من أهل بيتك يسخرون منك، ويعصون أمرك، فلما سمع ذلك أتى بهم تفيض أعينهم من الدمع معفرة وجوههم في التراب فقال لهم: اختاروا إما أن تذبحوا لآلهتنا وإما أن أقتلكم، فقال مكسلمينا وكان أكبرهم: إن لنا إلها ملا السماوات والأرض عظمته، لن ندعو من دونه إلها أبدا، اصنع بنا ما بدا لك، وكذا قال أصحابه، فأمر بهم فنزع منهم لبوسهم وكان عليهم من لبوس عظمائهم، وقال: إني سأؤخركم لأني أراكم شبانا فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلا تذكرون فيه و تراجعون عقولكم، ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة فنزعت منهم، ثم أخرجوا وانطلق دقيانوس إلى مدينة أخرى قريبا منهم فلما رأى الفتية ذلك ائتمروا بينهم أن يأخذ كل رجل نفقة من بيت أبيه فيتصدقوا بها ويتزودوا مما بقي ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له ينجلوس (1) فيعبدون الله حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فيصنع بهم ما شاء، ففعلوا ذلك، واتبعهم كلب كان لهم فاشتغلوا فيه بالصلاة والصيام و التسبيح والتكبير والتحميد، وكانوا كلما نفدت نفقتهم يذهب يمليخا (2) وكان أجملهم وأجلدهم ويضع ثيابا كان عليه ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فينطلق إلى المدينة فيشتري طعاما ويتسمع (3) ويتجسس لهم الاخبار، فلبثوا بذلك ما لبثوا، ثم قدم الجبار إلى المدينة فأمر العظماء فذبحوا للطواغيت، وكان يمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه
(٤٣١)