وكان موسى قد أعطي بسطة في الجسم وشدة في البطش، فذكره الناس وشاع أمره، و قالوا: إن موسى قتل رجلا من آل فرعون. فأصبح في المدينة خائفا يترقب، فلما أصبحوا من الغد إذا الرجل الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر، قال له موسى: إنك لغوي مبين، بالأمس رجل واليوم رجل؟ " فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين * وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين * فخرج منها خائفا يترقب " فخرج من مصر بغير ظهر ولا دابة ولا خادم، تخفضه أرض وترفعه أخرى حتى أتى إلى أرض مدين، فانتهى إلى أصل شجرة فنزل، فإذا تحتها بئر وإذا عندها أمة من الناس يسقون، فإذا جاريتان ضعيفتان وإذا معهما غنيمة لهما، فقال: ما خطبكما؟ قالتا: أبونا شيخ كبير، ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرجال، فإذا سقى الناس سقينا، فرحمهما موسى عليه السلام فأخذ دلوهما وقال لهما: قدما غنمكما، فسقى لهما، ثم رجعتا بكرة قبل الناس، ثم أقبل موسى إلى الشجرة فجلس تحتها وقال: " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " فروي أنه قال ذلك وهو محتاج إلى شق تمرة، فلما رجعتا إلى أبيهما قال: ما أعجلكما في هذه الساعة! قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحيما فسقى لنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي، فجاءته تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فروي أن موسى عليه السلام قال لها:
وجهيني إلى الطريق وامشي خلفي، فإنا بنو يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء، فلما جاءه وقص عليه القصص قال: لا تخف نجوت من القوم الظالمين، قالت إحداهما: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، قال: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك، فروي أنه قضى أتمهما لان الأنبياء لا يأخذون إلا بالأفضل والتمام.
فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطريق ليلا فرأى نارا فقال لأهله: امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو خبر من الطريق، فلما