قوله تعالى: " وجاء رجل من أقصى المدينة " أي آخرها، واختصر طريقا قريبا (1) حتى سبقهم إلى موسى " يسعى " أي يسرع في المشي فأخبره بذلك وأنذره، وكان الرجل خربيل (2) مؤمن آل فرعون، وقيل: رجل اسمه شمعون، وقيل: شمعان، قال: " يا موسى إن الملا " أي الاشراف من آل فرعون " يأتمرون بك " أي يتشاورون فيك، وقيل: يأمر بعضهم بعضا.
قوله تعالى: " تهتز " أي تتحرك. قوله تعالى: " كأنها جان " قال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الغرر والدرر: فإن سأل سائل فقال: ما تقولون في قوله تعالى: " فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين " وقوله: " كأنها جان " والثعبان هي الحية العظيمة الخلقة، والجان: الصغير من الحيات؟ وبأي شئ تزبلون التناقض عن هذا الكلام؟
والجواب: أول ما نقوله أن الحالتين مختلفتان، فحالة كونها كالجان كانت في ابتداء النبوة وقبل مسير موسى عليه السلام إلى فرعون، وحالة كونها ثعبانا كانت عند لقائه فرعون وإبلاغه الرسالة، والتلاوة تدل على ذلك، وقد ذكر المفسرون وجهين: أحدهما أنه تعالى إنما شبهها بالثعبان في إحدى الآيتين لعظم خلقها وكبر جسمها وهول منظرها، وشبهها في الآية الأخرى بالجان لسرعة حركتها ونشاطها وخفتها، فاجتمع لها مع أنها في جسم الثعبان وكبر خلقه نشاط الجان وسرعة حركته، وهذا أبهر في باب الاعجاز وأبلغ في خرق العادة.
والثاني أنه تعالى لم يرد بذكر الجان في الآية الأخرى الحية، وإنما أراد أحد الجن، فكأنه تعالى أخبر بأن العصا صارت ثعبانا في الخلقة وعظم الجسم، وكانت مع ذلك كأحد الجن في هول المنظر وإفزاعها لمن شاهدها، ويمكن أن يكون للآية تأويل آخر وهو أن العصا لما انقلبت حية صارت أولا بصفة الجان وعلى صورته، ثم صارت بصفة الثعبان على تدريج ولم تصر كذلك ضربة واحدة. (3)