فأدى ذلك إلى القتل من غير قصد إليه، وكل ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصودا فهو حسن غير قبيح، ولا يستحق العوض به، ولا فرق بين أن تكون المدافعة من الانسان عن نفسه وبين أن يكون عن غيره في هذا الباب. (1) ثم ذكر نحوا من الأجوبة التي ذكرها الرازي ثم قال: فإن قيل: فما معنى قول فرعون لموسى عليه السلام: " وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين "؟ وقوله عليه السلام:
" فعلتها إذا وأنا من الضالين " وكيف نسب عليه السلام الضلال إلى نفسه ولم يكن عندكم في وقت من الأوقات ضالا؟ الجواب: أما قوله: " وأنت من الكافرين " فإنما أراد به: الكافرين لنعمتي وحق تربيتي، فإن فرعون كان المربي لموسى إلى أن كبر وبلغ، ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عنه: " ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ". (2) فأما قول موسى عليه السلام: " فعلتها إذا وأنا من الضالين " فإنما أراد به من الذاهبين عن أن الوكزة تأتي على النفس، أو المدافعة تفضي إلى القتل، فقد يسمى الذاهب عن الشئ أنه ضال عنه، ويجوز أيضا أن يريد إني ضللت عن فعل المندوب إليه من الكف عن القتل في تلك الحال والفوز بمنزلة الثواب. (3) ثم قال: فإن قيل: كيف يجوز لموسى عليه السلام أن يقول لرجل من شيعته يستصرخه:
" إنك لغوي مبين "؟ الجواب: إن قوم موسى كانوا غلاظا جفاة، ألا ترى إلى قولهم بعد مشاهدة الآيات لما رأوا من يعبد الأصنام: " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة (4) " وإنما خرج موسى عليه السلام خائفا على نفسه من قوم فرعون بسبب قتل القبطي، فرأى ذلك الرجل يخاصم رجلا من أصحاب فرعون واستنصر موسى عليه السلام فقال له عند ذلك: " إنك لغوي مبين " وأراد إنك خائب في طلب ما لا تدركه، وتكلف مالا تطيقه، ثم قصد إلى نصرته كما نصره بالأمس على الآخر فظن أنه يريده بالبطش لبعد فهمه فقال له: " أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون