وجاعلوه من المرسلين، فوضعته في التابوت وأطبقت عليه وألقته في النيل، وكان لفرعون قصر على شط النيل متنزه (1) فنظر من قصره - ومعه آسية امرأته - إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج وتضربه الرياح حتى جاءت به على باب قصر فرعون، فأمر فرعون بأخذه فاخذ التابوت ورفع إليه فلما فتحه وجد فيه صبيا، فقال: هذا إسرائيلي، فألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة وكذلك في قلب آسية، وأراد أن يقتله (2) فقالت آسية: " لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا " وهم لا يشعرون أنه موسى ولم يكن لفرعون ولد، فقال: التمسوا له (3) ظئرا تربيه، فجاؤوا بعدة نساء قد قتل أولادهن فلم يشرب لبن أحد من النساء، وهو قول الله: " وحرمنا عليه المراضع من قبل " وبلغ أمه أن فرعون قد أخذه فحزنت وبكت كما قال الله: " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به " يعني كادت أن تخبرهم بخبره، أو تموت ثم ضبطت نفسها، فكانت كما قال: " لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين " ثم قالت لأخت موسى:
قصيه، أي اتبعيه، فجاءت أخته إليه فبصرت به عن جنب، أي عن بعد وهم لا يشعرون، فلما لم يقبل موسى بأخذ ثدي أحد من النساء اغتم فرعون غما شديدا فقالت أخته:
" هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون " فقالوا: نعم، فجاءت بأمه، فلما أخذته في حجرها وألقمته ثديها التقمه وشرب ففرح فرعون وأهله وأكرموا أمه فقالوا لها: ربيه لنا فإنا نفعل بك ونفعل (4) وذلك قول الله: " فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون " وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كل ما يلدون، ويربي موسى ويكرمه، ولا يعلم أن هلاكه على يده، فلما درج (5) موسى كان يوما عند فرعون فعطس موسى فقال: " الحمد لله رب العالمين " فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه وقال: ما هذا الذي تقول؟ فوثب موسى على لحيته وكان طويل اللحية