أن ربك عدل لا يجوز، أفعدله الذي أمر؟ فاعتزل الآن إلى عسكرك فإن الناس لحقوا بالجبال والرمال، فإذا اجتمعوا تسمعهم رسالة ربك، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أخر ودعه، فإنه يريد أن يجند لك الجنود فيقاتلك، واضرب بينك وبينه أجلا، وابرز إلى معسكرك يأمنوا بأمانك ثم ابنوا بنيانا واجعلوا بيوتكم قبلة، فضرب موسى بينه وبين فرعون أربعين ليلة، فأوحى إلى موسى أنه يجمع لك الجموع فلا يهولنك شأنه، فإني أكفيك كيده، فخرج موسى عليه السلام من عند فرعون والعصا معه على حالها حية تتبعه وتنعق وتدور حوله والناس ينظرون إليه متعجبين وقد ملئوا رعبا حتى دخل موسى عسكره وأخذ برأسها فإذا هي عصا، وجمع قومه وبنوا مسجدا، فلما مضى الأجل الذي كان بين موسى وفرعون أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن اضرب بعصاك النيل، وكانوا يشربون منه، فضربه فتحول دما عبيطا، (1) فإذا ورده بنو إسرائيل استقوا ماء صافيا، وإذا ورده آل فرعون اختضبت أيديهم وأسقيتهم بالدم، فجهدهم العطش حتى أن المرأة من قوم فرعون تستقي من نساء بني إسرائيل، فإذا سكبت الماء لفرعونية تحول دما، فلبثوا في ذلك أربعين ليلة وأشرفوا على الموت، واستغاث فرعون وآله بمضغ الرطبة فصير ماؤها مالحا، فبعث فرعون إلى موسى: ادع لنا ربك يعيد لنا هذا الماء صافيا، فضرب موسى بالعصا النيل فصار ماء خالصا، هذا قصة الدم.
وأما قصة الضفادع: فإنه تعالى أوحى إلى موسى أن يقوم على شفير النيل حتى يخرج كل ضفدع خلقه الله تعالى من ذلك الماء فأقبلت تدب سراعا (2) تؤم أبواب المدينة فدخلت فيها حتى ملأت كل شئ، فلم يبق دار ولا بيت ولا إناء إلا امتلأت ضفادع، ولا طعام ولا شراب إلا فيه ضفادع حتى غمهم ذلك (3) وكادوا يموتون، فطلب فرعون إلى موسى أن يدعو ربه ليكشف البلاء واعتذر إليه من الخلف، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن أسعفه، (4) فأناف موسى بالعصا فلحق جميع الضفادع بالنيل.