وأما قصة الجراد والقمل: فإنه تعالى أوحى إلى موسى أن ينطلق إلى ناحية من الأرض ويشير بالعصا نحو المشرق وأخرى نحو المغرب، فانبثق الجراد من الأفقين جميعا، فجاء مثل الغمام الأسود، وذلك في زمان الحصاد، فملا كل شئ وعم الزرع فأكله وأكل خشب البيوت وأبوابها، ومسامير الحديد والأقفال والسلاسل، ونكت موسى الأرض بالعصا فامتلأت قملا فصار وجه الأرض أسود وأحمر حتى ملئت ثيابهم ولحفهم وآنيتهم فتجئ متواصلة وتجئ من رأس الرجل ولحيته، وتأكل كل شئ، فلما رأوا الذي نزل من البلاء اجتمعوا إلى فرعون وقالوا: ليس من بلاء إلا ويمكن الصبر عليه إلا الجوع، فإنه بلاء فاضح لا صبر لاحد عليه، ما أنت صانع؟ فأرسل فرعون إلى موسى عليه السلام يخبره أنه لم يجتمع له أمره الذي أراد، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن لا يدع له حجة وأن ينظره، فأشار بعصاه فانقشع الجراد والقمل من وجه الأرض.
وأما الطمس: فإن موسى لما رأى آل فرعون لا يزيدون إلا كفرا دعا موسى عليهم فقال: " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا اطمس على أموالهم " فطمس الله أموالهم حجارة فلم يبق لهم شيئا مما خلق الله تعالى يملكونه لا حنطة ولا شعيرا ولا ثوبا ولا سلاحا ولا شيئا من الأشياء إلا صار حجارة.
وأما الطاعون: فإنه أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أني مرسل على أبكار آل فرعون في هذه الليلة الطاعون، فلا يبقى بآل فرعون من إنسان ولا دابة إلا قتله، فبشر موسى قومه بذلك، فانطلقت العيون إلى فرعون بالخبر، فلما بلغه الخبر قال لقومه:
قولوا لبني إسرائيل إذا أمسيتم فقدموا أبكاركم، وقدموا أنتم أبكاركم، وأقرنوا كل بكرين في سلسلة، فإن الموت يطرقهم ليلا، فإذا وجدهم مختلطين لم يدر بأيهم يبطش، ففعلوا فلما جهم الليل أرسل الله تعالى الطاعون فلم يبق منهم إنسانا ولا دابة إلا قتله فأصبح أبكار آل فرعون جيفا، وأبكار بني إسرائيل أحياء سالمين، فمات منهم ثمانون ألفا سوى الدواب، وكان لفرعون من أثاث الدنيا وزهرتها وزينتها ومن الحلي والحلل مالا يعلمه إلا الله تعالى. فأوحى الله جلت عظمته إلى موسى عليه السلام أني مورث بني إسرائيل ما في أيدي آل فرعون، فقل ليستعيروا منهم الحلي والزينة، فإنهم لا يمتنعون من خوف