كانوا يكتمون (يكسبون ظ) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون، وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. " ص 88 - 89 " أقول: قال الشيخ المفيد رحمه الله: الحساب هو المقابلة بين الاعمال والجزاء عليها، والمواقفة للعبد على ما فرط منه، والتوبيخ على سيئاته، والحمد على حسناته، ومعاملته في ذلك باستحقاقه، وليس هو كما ذهبت العامة إليه من مقابلة الحسنات بالسيئات، والموازنة بينهما على حسب استحقاق الثواب والعقاب عليهما، إذ كان التحابط بين الاعمال غير صحيح، ومذهب المعتزلة فيه باطل غير ثابت، وما يعتمد الحشوية في معناه غير معقول، والموازين هي التعديل بين الاعمال والجزاء عليها، ووضع كل جزاء في موضعه، وإيصال كل ذي حق إلى حقه، فليس الامر في معنى ذلك على ما ذهب إليه أهل الحشو من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا لكل ميزان كفتان توضع الاعمال فيها، إذ الاعمال أعراض، والاعراض لا يصح وزنها، وإنما توصف بالثقل والخفة على وجه المجاز، والمراد بذلك أن ما ثقل منها هو ما كثر واستحق عليه عظيم الثواب، وما خف منها ما قل قدره ولم يستحق عليه جزيل الثواب، والخبر الوراد أن أمير المؤمنين والأئمة من ذريته عليهم السلام هم الموازين فالمراد أنهم المعدلون بين الاعمال فيما يستحق عليها، و الحاكمون فيها بالواجب والعدل، ويقال: فلان عندي في ميزان فلان، ويراد به نظيره، ويقال: كلام فلان عندي أوزن من كلام فلان، والمراد به أن كلامه أعظم وأفضل قدرا، والذي ذكره الله تعالى في الحساب والخوف منه إنما هو المواقفة على الاعمال، لان من وقف على أعماله لم يتخلص من تبعاتها، ومن عفى الله تعالى عنه في ذلك فاز بالنجاة، ومن ثقلت موازينه بكثرة استحقاقه الثواب فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه بقلة أعمال الطاعات فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، والقرآن إنما انزل بلغة العرب وحقيقة كلامها ومجازه، ولم ينزل على ألفاظ العامة وما سبق إلى قلوبها من الأباطيل، انتهى كلامه قدس سره.
أقول: قد سبق الكلام منا في الاحباط، وأما إنكار الميزان بهذه الوجوه فليس