وأكلهم ولباسهم ونومهم ويقظتهم وهدايتهم إلى مراشدهم إلى مالا يحصى كثرة من أحوالهم ومصالحهم، وأنهم يموتون ويحشرون، وبين بهذا أنه لا يجوز للعباد أن يتعدوا في ظلم شئ منها، فإن الله خالقها والمنتصف لها " ما فرطنا في الكتاب من شئ " أي ما تركنا، وقيل: ما قصرنا، والكتاب، القرآن لان فيه جميع ما يحتاج إليه من أمور الدين والدنيا إما مجملا وإما مفصلا، والمجمل قد بينه على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وأمر باتباعه في قوله: " ما آتيكم الرسول فخذوه " الآية، وقيل: المراد به اللوح، وقيل:
المراد به الأجل أي ما تركنا شيئا إلا وقد أوجبنا له أجلا ثم يحشرون جميعا " ثم إلى ربهم يحشرون " أي يحشرون إلى الله بعد موتهم يوم القيامة كما يحشر العباد، فيعوض الله تعالى ما يستحق العوض منها وينتصف لبعضها من بعض، وفيما رووه عن أبي هريرة أنه قال: يحشر الله الخلق يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شئ فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابا، فلذلك يقول الكافر:
يا ليتني كنت ترابا.
وعن أبي ذر قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ انتطحت عنزان فقال النبي صلى الله عليه وآله: أتدرون فيما انتطحا؟ فقالوا: لا ندري، قال: لكن الله يدري و سيقضي بينهما، وعلى هذا فإنما جعلت أمثالنا في الحشر والقصاص، ويؤيده قوله تعالى: " وإذا الوحوش حشرت " واستدلت جماعة من أهل التناسخ بهذه الآية على أن البهائم والطيور مكلفة لقوله: " أمم أمثالكم " وهذا باطل لأنا قد بينا أنها من أي جهة تكون أمثالنا، ولو وجب حمل ذلك على العموم لوجب أن تكون أمثالنا في كونها على مثل صورنا وهيئاتنا وخلقنا وأخلاقنا، فكيف يصح تكليف البهائم وهي غير عاقلة؟ و التكليف لا يصح إلا مع كمال العقل.
أقول: قد أورد الرازي في ذلك فصلا مشبعا لا يهم إيراده، وقد مر تفسير سوء الحساب في باب أحوال المجرمين وسيأتي في الاخبار، وقال الطبرسي رحمه الله في قوله عز وجل: " اقترب للناس حسابهم ": اقترب افتعل من القرب، والمعنى: اقترب للناس وقت حسابهم - يعني القيامة - أي وقت محاسبة الله إياهم ومساءلتهم عن نعمه هل قابلوها