حين يقال لهم: " اخسؤا فيها ولا تكلمون " وقيل: يحشرون كذلك ثم يجعلون يبصرون ويسمعون وينطقون عن الحسن " مأواهم " أي مستقرهم " جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا " أي كلما سكن التهابها زدناهم اشتعالا.
قوله تعالى: " قادر على أن يخلق مثلهم " قال: لان القادر على الشئ قادر على أمثاله إذا كان له مثل أو أمثال في الجنس، وإذا كان قادرا على خلق أمثالهم كان قادرا على إعادتهم، إذ الإعادة أهون من الانشاء في الشاهد، وقيل: أراد: قادر على أن يخلقهم ثانيا، وأراد بمثلهم إياهم، وذلك أن مثل الشئ مساو له في حالته فجاز أن يعبر به عن الشئ نفسه، يقال: مثلك لا يفعل كذا بمعنى أنت لا تفعله، ونحوه: ليس كمثله شئ.
أقول: قال الرازي في تفسير هذه الآية: في قوله: " مثلهم " قولان الأول المعنى:
قادر على أن يخلقهم ثانيا، فعبر عن خلقهم ثانيا بلفظ المثل كما يقوله المتكلمون إن الإعادة مثل الابتداء، والثاني أن المراد أنه قادر على أن يخلق عبيدا آخرين يوحدونه ويقرون بكمال حكمته وقدرته، ويتركون ذكر هذه الشبهات الفاسدة، فهو كقوله تعالى:
" ويأت بخلق جديد " وقوله: ويستبدل قوما غيركم " قال الواحدي: والقول هو الأول لأنه أشبه بما قبله.
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله: " وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ": أي وجعل لإعادتهم وقتا لا شك فيه أنه كائن لا محالة، وقيل: معناه: وضرب لهم مدة ليتفكروا ويعلموا فيها أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة، وقال في قوله تعالى: " وكذلك أعثرنا عليهم ": أي كما أمتنا أصحاب الكهف وبعثناهم أطلعنا عليهم أهل المدينة " ليعلموا أن وعد الله " بالبعث والثواب والعقاب " حق وأن الساعة لا ريب فيها " لان من قدر أن ينيم جماعة تلك المدة المديدة أحياءا ثم يوقظهم قدر أيضا على أن يميتهم ثم يحييهم بعد ذلك. وفي قوله تعالى: " ونرثه ما يقول ": أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه " ويأتينا فردا " أي يأتي في الآخرة وحيدا بلا مال ولا ولد ولا عدة ولا عدد. وفي قوله: " ويقولون متى هذا الوعد " أي القيامة، فقال سبحانه:
" لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون " أي لو علموا الوقت الذي لا يدفعون