وفي قوله عز وجل: " ومن يعش عن ذكر الرحمن ": أي يعرض عنه، وقيل:
معناه: ومن يعم عنه " نقيض له شيطانا فهو له قرين " أي نخل بينه وبين الشيطان الذي يغويه فيصير قرينه، وقيل: معناه: نقرن به شيطانا في الآخرة يلزمه فيذهب به إلى النار، كما أن المؤمن يقرن به ملك فلا يفارقه حتى يصير به إلى الجنة، وقيل: أراد به شياطين الانس نحو علماء السوء ورؤساء الضلالة " وإنهم ليصدونهم " أي يصرفون هؤلاء الكفار " عن السبيل " أي عن طريق الحق " ويحسبون أنهم معتدون " أي يحسب الكفار أنهم على الهدى فيتبعونهم " حتى إذا جاءنا " قرأ أهل العراق غير أبي بكر (جاءنا) على الواحد، والباقون (جاءانا) على الاثنين، فعلى الثاني فالمعنى: جاءنا الشيطان و من أغواه يوم القيامة، وعلى الأول فالمعنى: حتى إذا جاءنا الكافر وعلم ما يستحقه من العقاب " قال " لقرينه الذي أغواه: " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين " يعني المشرق والمغرب فغلب أحدهما، والمراد: يا ليت بيني وبينك هذا البعد مسافة فلم أرك ولا اغتررت بك " فبئس القرين " كنت لي في الدنيا، فبئس القرين أنت لي اليوم، فإنهما يكونان مشدودين في سلسلة واحدة زيادة عقوبة وغم، عن ابن عباس، ويقول الله سبحانه في ذلك اليوم للكفار: " ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون " أي لا يخفف الاشتراك عنكم شيئا من العذاب لان لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب، وقيل: معناه أنه لا تسلي لهم عماهم فيه بما يرونه بغيرهم من العذاب، لأنه قد يتسلى الانسان عن المحنة إذا رأى أن عدوه في مثلها، وقال البيضاوي " ولن ينفعكم اليوم ": أي ما أنتم عليه من التمني " إذ ظلمتم " إذ صح أنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا " أنكم في العذاب مشتركون " لان حقكم أن تشتركوا أنتم وشياطينكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه.
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله سبحانه: " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ":
معناه: إن الذين تخالوا وتواصلوا في الدنيا يكون بعضهم أعداءا لبعض ذلك اليوم، يعني يوم القيامة، وهم الذين تخالوا على الكفر والمعصية ومخالفة النبي صلى الله عليه وآله لما يرى كل واحد منهم من العذاب بسبب تلك المصادقة، ثم استثنى من جملة الأخلاء المتقين فقال: