وإن الشهر لكثير من تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه، ثم قال: وإن يوما لكثير من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه، ثم قال: وإن الساعة لكثيرة، من تاب وقد بلغت نفسه هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - تاب الله عليه. " ص 32 " وروى الثعلبي بإسناده عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وآله هذا الخبر بعينه إلا أنه قال في آخره: وإن الساعة لكثيرة من تاب قبل أن يغرغر بها تاب الله عليه.
وروى أيضا بإسناده عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما هبط إبليس قال: وعزتك وجلالك وعظمتك لا أفارق ابن آدم حتى تفارق روحه جسده، فقال الله سبحانه: وعزتي وجلالي وعظمتي لا أحجب التوبة عن عبدي حتى يغرغر بها.
" فأولئك يتوب الله عليهم " أي يقبل توبتهم، " وكان الله عليما " بمصالح العباد " حكيما " فيما يعاملهم به، " وليست التوبة " المقبولة التي تنفع صاحبها " للذين يعملون السيئات " أي المعاصي ويصرون عليها ويسوفون التوبة " حتى إذا حضر أحدهم الموت " أي أسبابه: من معاينة ملك الموت، وانقطع الرجاء من الحياة وهو حال اليأس التي لا يعلمها أحد غير المحتضر " قال إني تبت الآن " أي فليس عند ذلك توبة. وأجمع أهل التأويل على أن هذه قد تناولت عصاة أهل الاسلام، إلا ما روي عن الربيع أنه قال: إنها في المنافقين، وهذا لا يصح لان المنافقين من جملة الكفار، وقد بين الكفار بقوله:
" ولا الذين يموتون وهم كفار " أي وليست التوبة أيضا للذين يموتون على الكفر ثم يندمون بعد الموت " أولئك اعتدنا " أي هيأنا " لهم عذابا أليما " أي موجعا. إنما لم يقبل الله عز اسمه التوبة في حال البأس واليأس من الحياة لأنه يكون العبد ملجئا هناك إلى فعل الحسنات وترك القبائح فيكون خارجا من حد التكليف إذ لا يستحق على فعله المدح ولا الذم، وإذا زال عنه التكليف لم تصح منه التوبة، ولهذا لم يكن أهل الآخرة مكلفين ولا تقبل توبتهم. انتهى كلامه رفع الله مقامه.
أقول: قال بعض المفسرين: ومن لطف الله بالعباد أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين، ثم يصعد شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى الصدر، ثم تنتهي إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من الاقبال بالقلب على الله تعالى، والوصية والتوبة ما