ما فيه من إخراج الأموال وتعب الأبدان، والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر الأنفس عن اللذات، شاخصا في الحر والبرد، ثابتا ذلك عليه، دائما مع الخضوع والاستكانة والتذلل، مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع.
أقول: في العلل: كل ذلك لطلب الرغبة إلى الله والرهبة منه، وترك قساوة القلب وخسارة الأنفس، ونسيان الذكر، وانقطاع الرجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحظر الأنفس عن الفساد، مع ما في ذلك من المنافع لجميع من " المشترك " في شرق الأرض و غربها ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لا يحج: من بين تاجر، وجالب، وبائع ومشتري، وكاسب، ومسكين، ومكاري، وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها، مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة عليهم السلام إلى كل صقع وناحية، كما قال الله عز وجل: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، وليشهدوا منافع لهم ".
فإن قال: فلم أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك؟ قيل: لان الله عز وجل وضع الفرائض على أدنى القوم قوة، (1) كما قال عز وجل: " فما استيسر من الهدي " يعني شاة ليسع له القوي والضعيف، وكذلك سائر الفرائض إنما وضعت على أدنى القوم قوة، وكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا، ثم رغب بعد أهل القوة بقدر طاقتهم.
فإن قال: فلم أمروا بالتمتع إلى الحج؟ (2) قيل: ذلك تخفيف من ربكم و رحمة لان يسلم الناس من إحرامهم ولا يطول ذلك عليهم فيدخل (3) عليهم الفساد وأن يكون الحج والعمرة واجبين جميعا فلا تعطل العمرة ولا تبطل، ولا يكون الحج مفردا من العمرة ويكون بينهما فصل وتمييز، وقال النبي صلى الله عليه وآله: " دخلت العمرة في الحج