عشرة أيام يوما فكأنما صام الدهر كله كما قال سلمان الفارسي رحمة الله عليه: " صوم ثلاثة أيام في الشهر صوم الدهر كله فمن وجد شيئا غير الدهر فليصمه ".
فإن قال: فلم جعل أول خميس من العشر الأول، وآخر خميس من العشر الآخر، وأربعاء في العشر الأوسط؟ قيل: أما الخميس فإنه قال الصادق عليه السلام:
" يعرض كل خميس أعمال العباد إلى الله (1) " فأحب أن يعرض عمل العبد على الله تعالى وهو صائم.
فإن قال: فلم جعل آخر خميس؟ قيل: لأنه إذا عرض عمل ثمانية أيام والعبد صائم كان أشرف وأفضل من أن يعرض عمل يومين وهو صائم، وإنما جعل أربعاء في العشر الأوسط لان الصادق عليه السلام أخبر أن الله عز وجل خلق النار في ذلك اليوم وفيه أهلك الله القرون الأولى، وهو يوم نحس مستمر، فأحب أن يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك اليوم بصومه.
فإن قال: فلم وجب في الكفارة على من لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج والصلاة وغيرهما؟ قيل: لان الصلاة والحج وسائر الفرائض مانعة للانسان من التقلب في أمر دنياه ومصلحة معيشته، مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض التي تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة.
فإن قال: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين، دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر؟ قيل: لان الفرض الذي فرضه الله عز وجل على الخلق هو شهر واحد فضوعف هذا الشهر في الكفارة (2) توكيدا وتغليظا عليه.
فإن قال: فلم جعلت متتابعين؟ قيل: لئلا يهون عليه الأداء فيستخف به، لأنه إذا قضاه متفرقا عليه القضاء.
فإن قال: فلم امر بالحج؟ قيل: لعلة الوفادة إلى الله عز وجل، وطلب الزيادة، والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى، مستأنفا لما يستقبل، مع