ما كلفهم ودليلا (1) في الآجل، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا فيؤدوا إليهم ما افترض الله تعالى لهم في أموالهم.
فإن قال: لم جعل الصوم في شهر رمضان خاصة دون سائر الشهور، قيل: لان شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن، وفيه فرق بين الحق والباطل، كما قال الله تعالى: " شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " وفيه نبئ محمد صلى الله عليه وآله، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيها يفرق كل أمر حكيم، وهي رأس السنة، يقدر فيها ما يكون في السنة من خير، أو شر، أو مضرة، أو منفعة، أو رزق، أو أجل، ولذلك سميت ليلة القدر فإن قال: فلم أمروا بصوم شهر رمضان لا أقل من ذلك ولا أكثر؟ قيل: لأنه قوة العباد التي يعم فيها القوي والضعيف، وإنما أوجب الله تعالى الفرائض على أغلب الأشياء وأعم القوى، (2) ثم رخص لأهل الضعف ورغب أهل القوة في الفضل، ولو كانوا يصلحون على أقل من ذلك لنقصهم، ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك لزادهم.
فإن قال: فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلي؟ قيل: لأنها في حد النجاسة فأحب أن لا تعبد إلا طاهرا، (3) ولأنه لا صوم لمن لا صلاة له.
فإن قال: فلم صارت تقضي الصيام (4) ولا تقضي الصلاة؟ قيل: لعلل شتى:
فمنها أن الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها، وإصلاح بيتها والقيام بأمورها، (5) والاشتغال بمرمة معيشتها، والصلاة تمنعها من ذلك كله، لان الصلاة تكون في اليوم والليلة مرارا فلا تقوى على ذلك، والصوم ليس كذلك.
ومنها أن الصلاة فيها عناء وتعب واشتغال الأركان، وليس في الصوم شئ من ذلك، وإنما هو الامساك عن الطعام والشراب وليس فيه اشتغال الأركان.